بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله الأطهار وصحبه الأخيار.
إلى الإخوة الأفاضل والدعاة المباركين والمشايخ الصادقين والأحبة الطيبين
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته وحفظكم ورعاكم وبارك لنا فيكم ويسر الله الخير على أيديكم.
عنوان الرسالة: “أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ“
والموضوع: وجهة نظر أخوية حول الانتقادات التي تعرض لها شيخنا المبارك وعالمنا الفاضل أبي سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي حفظه الله ورعاه وسدد خطاه.
انطلاقا من قول الله تعالى:
فإننا نعلم إخوتنا الأحبة ومشايخنا الكرام سابقتكم في الدعوة إلى الله وفضلكم في التمسك بالسنة وحرصكم على الخير للمسلمين، وأريد من وراء هذه الرسالة أن نتواصى بالحق وأن نتواصى بالصبر وقلوبكم كبيرة وحبكم طاهر ونسأل الله أن يبارك لنا فيكم بركة عظيمة فأنتم ملح البلد بكم ينفع الله الأمة ويرفع درجاتها في الدنيا والآخرة.
هذه الإشاعات حول شيخنا الحبيب أبي سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي حفظه الله وبارك فيه ويسر الأمر على يديه وجازاه الله عن القرآن والسنة أعظم الجزاء فكلنا يعرف سابقته وصدقه في الدعوة وعمله الدؤوب في نصرة الحق، فكان لزاما علينا جميعا أن نبحث في هذه النازلة من زاوية شرعية فنحن جميعا أولى الناس بالرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في كل نواحي الحياة.
ولقد تعرض كثير من الناس إلى مآخذ كثيرة عن الشيخ وقد كان من المفروض أن تُناقش النازلة وحدها بالعدل الذي أمر الله به ورسوله، ولو كان كل من أخطأ أو تأول تُذكر جميع المآخذ عليه لما سَلِم أحد من الخلق إلا الأنبياء والرسل، وكفى المرء نبلا أن تُعَدَّ معائبه، وقد ذكر الشوكاني رحمه الله أن الرجل إذا كانت فيه مُجَرِّحات عديدة وكان بذكر الواحدة أو الثنتين يتحقق المراد بالتجريح فلا داعي لذكر المُجَرِّحات الأخرى، فإذا كان هذا في من تُردُّ روايته فكيف بمن كان من أهل السنة والجماعة وعلماء التوحيد ولم يتحقق الناس من التهمة المشاعة بطريقة شرعية، لأن الإسلام دين الستر والعفة وإشاعة المحاسن ودفن النقائص.
ولقد اعتمد الناس على شريط روَّجه صاحبه تجسسا وهذا فِعل مُحرم في الشرع حلال عند الحزبيين والحركيين، فالتجسس بغير إذن في المكالمات الهاتفية وفي المجالس الخاصة والعامة لا يَحِلُّ شرعا عند أهل الإسلام الذين يتمسكون بالكتاب الكريم وبالسنة المطهرة، وقد أصبح هذا الأمر معتادا عند المسلمين وخاصة الحركيين والحزبيين وهو من التجسس الذي نهى الله عنه ورسوله، ثم بعد التجسس كان ترويجه من غير إذن من صاحبه وهذا الأمر أشد حِرمة وأكثر فتنة ولعله قصد الفاعل خيرا لكنه سلك سبيلا يخالف السنة النبوية، وأشعل وغَيْرَه نارا للفتنة نسـأل الله أن يطفئها وهذا ليس من الذلة بين المؤمنين ولا من الرحمة عند الموحدين، بل هو من الأعمال المخالفة لسنة سيد المرسلين.
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “من يُبْدِ لنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله”، فهل أبدى لنا الشيخ صفحته وأعلن عن موقفه أم هو تجسس مقيت وعمل خبيث.
كما أنه كان يجب على العديد من الإخوة الفضلاء أن يتتبثوا في هذا الأمر مخافة الزيادة والنقصان وحذرا من فخاخ أهل الفساد والبهتان وأن يتصلوا بشيخنا الكريم أبي سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي ويسألوه عن ذلك فإن أجابهم بأنه قد فعل ذلك ينتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي قولهم ما حملك على ما صنعت فإن ذكر أنه مُكرَه أو أنه متأول أو أنه قصد أمرا آخر فإن تبين لهم أنه أصاب أو أن له مخرجا شرعيا لما فعل فَبِها ونعمت وإلا فلينتقلوا إلى مرحلة ثالثة وهي نُصحه وتقويمه وتذكيره بالله وتخويفه يوما كان شره مستطيرا، فإن أذعن الحق دعوه إلى التوبة النصوح والرجوع إلى الله فمن تاب تاب الله عليه وكان الله توابا رحيما.
لم يفعل العديد من الفضلاء الأخيار شيئا من ذلك بل هاجوا وماجوا وكان يكفي أن ينصحه رجل أو رجلان في سطر أو سطرين يتحقق بذلك المراد الشرعي من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، فتعطلت بذلك مصالح شرعية كثيرة تندرج تحت قوله تعالى “رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” وقوله تعالى “أَذِلَّةٍ عَلَى المُومِنِين“.
وتحققت مفاسد كبيرة شمت بها أعداء الإسلام من المرتدين على أهل الإيمان، واستهزأ بها أساطين البدع على المتمسكين بالتوحيد والسنة، وكان بالإمكان تحقيق المصالح العظيمة ودرء المفاسد الكبيرة من غير ضجيج ولا صراخ ولا إثارة فتن.
ثم أدخل أناس مع الشيخ تلامذته مع أنهم لم يوافقوه على شيء من ذلك والنادر لا حكم له، مما حَوَّل القضية عن مسارها في النصح والتقويم والبيان وإقامة الحجة إلى مسارات أخرى والله يسامحنا جميعا ويغفر لنا ويصلح أحوالنا.
ثم وصف الناس الشيخ بمناصرة أقوام لا خلاق لهم وبالتحالف مع أناس لا أمانة عندهم ومن يعرف الشيخ وأصوله وقواعده ومواقفه وتاريخه لا يوصله إلى هذا الدرك الأسفل، ولو شاء لاختار أقرب الطرق وأصبح بوتشيشيا وغازل وزير الأوقاف وينال ما شاء ولن يجد هذه الانتقادات اللاذعة بل لو قالوا فيه حكيم اختار طريقا سليما على سبيل التورية، وهذا يؤكد بطلان ما غلا فيه أقوام في حق شيخنا حفظه الله ورعاه.
فنرجوا أن يقوم جماعة من العلماء الفضلاء من أهل الفقه وذوي الحكمة أن يتصلوا بالشيخ للتثبت ولمعرفة حقيقة الأمر وللنصح والتقويم وإقامة الحجة فإن وجدوا شيئا من هذه الانتقادات التي شاعت بين الناس دعوا الشيخ الكريم إلى التوبة النصوح ولزوم سبيل الجماعة واجتناب أهل الفساد والفتنة، وهذه طريقة الصالحين وسبيل الربانيين في علاج المعضلات وحل الأزمات وهي أقصر طريق للوصول إلى الصراط المستقيم والسبيل القويم، وما أحسب شيخنا حفظه الله إلا قلبا كبيرا سيرحب بإخوانه ويسمع كلامهم ويجيبهم بالحق ويذعن للحجة وهو سَبَّاق إلى الخير حريص على جمع الشمل والله حسيبه.
ونزيد الأمر وضوحا حتى لا يزداد الأمر اشتباها على من قَلَّ فهمه أو خَبُثَ فؤاده فلا يفهم معنى الرحمة بين المؤمنين ولا الذلة على الموحدين أن موقفنا واضح من الأحزاب العلمانية اليسارية منها واليمينية وأنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا ونبرأ إلى الله منهم ومن فسادهم وبعضهم يحارب الله ورسوله ويطعن في دينه ويريد أن يغرق الأمة في فساد عريض.
وفيما يتعلق بهذا الحزب الذي أثار هذه الزوبعة وهو حزب الأصالة والمعاصرة فالذي نقول فيه أنه حزب خبيث في فكره، قبيح في منهجه، جمع أباطرة المخدرات وأساطين الفجور ويعلن أصحابه علانية حربهم على الله ورسوله وذلك بمطالبتهم بالتساوي في الميراث بين الرجال والنساء وهذا طعن في قطعيات الشريعة ناهيك عن مطالبتهم بكل ألوان الفجور والإباحية وهذا من الاستحلال البَيِّن الذي يخالفون به شرع رب العالمين ولا أحسب أن شيخنا الحبيب وأستاذنا الكريم أبا سهل سهل الله أمره يفوته شيء من ذلك فهو من العقلاء الحكماء وخبرته واسعة واطلاعه على الأمور كبير ولا نشك البتة في إخلاصه لله ورسوله وتعظيمه لدين الله عز وجل وذبِّه عن نبي الأمة وحرصه على خدمة القرآن الكريم بإتقان كامل وإحسان تام، ولئن كانت هذه كبوة من جواد فعلينا جميعا أن نتعاون مع شيخنا الحبيب حتى يتجاوز هذه المرحلة فأقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم كما قال صلى الله عليه وسلم ومن واجبه علينا نحن تلامذته وإخوانه ومُحبُّوه أن نعمل جاهدين على أن نقف في جانبه في هذه المحنة العظيمة بالنصح والتقويم لا على أن نشعل نيران الفتنة ونؤجج الأحقاد الكامنة فليس هذا من البر لمشايخنا الفضلاء ولا من الإحسان لذوي السابقة من الدعاة الأوفياء، وعلماؤنا الأماثل وأئمتنا الأفاضل ومشايخنا الأكابر لهم درجات عظيمة من أهل الحديث وعلماء الأثر كالشيخ أبي أويس محمد الأمين بوخبزة حفظه الله والشيخ أبي عبيدة مولاي أحمد حفظه الله والشيخ أبي عبد الرحمن القاضي برهون حفظه الله والشيخ أبي معاذ محمد زحل حفظه الله والشيخ الجردي حفظه الله والشيخ الرافعي حفظه الله وغيرهم من علمائنا الأفاضل رحم الله أمواتهم كشيخ الجماعة وإمام أهل السنة في المغرب الأقصى الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الحسيني رحمه الله والشيخ الزبير جبل التوحيد ومعلمة السنة والشيخ إدريس الجاي رحمه الله والشيخ العياشي رحمه الله وهؤلاء جميعا شيوخنا وعلماؤنا قد استفدنا منهم كثيرا، وبارك الله في أحيائهم فلهؤلاء جميعا حرمة عظيمة ومكانة كبيرة فعلى الدعاة والمشايخ وأهل الخير أن يعرفوا لهؤلاء الكبار مقامهم العظيم وسابقتهم المباركة وجهودهم الطيبة، وقد حصل مع الكثير من مشايخنا العظماء خلافات علمية في قضايا متعددة لا تعود على الأصول بالإبطال، فشيخنا المغراوي حفظه الله قد خالفناه في مسألة التصويت للأصلح مخافة الوصول إلى هذه الأمور وغيرها ويغفر الله له ويسامحه ويحفظه ويبارك لنا فيه، وقد أخطأ علماء كبار من أهل السنة والجماعة بل من الأئمة المعتمدين في أمور كثيرة، وها هي تراجم ابن خزيمة والحاكم وابن منده وأبي نعيم وابن حزم رحمة الله عليهم جميعا وأشدها عند ابن حبان البستي رحمه الله وقد عالج الحافظ الذهبي رحمه الله الإمام الناقد حافظ الدنيا وأعلم هذه الأمة بالرجال الكلام عنهم بعلم وفهم وحلم وفقه رشيد بما يعطي للعلماء حقهم مع التمسك بالحق والانتصار للحجة، وهذا ليس من الموازنات الحزبية ولا من التساهلات الحركية وإنما هو منهج علمي مع أهل الاجتهاد إذا صحت أصولهم واستفرغوا الوسع في طلب الحق وكانت نياتهم حسنة والمسائل محتملة، فشتان شتان بين التدقيق العلمي والفوضى الحزبية.
وأين هي أخلاق أهل الإسلام وأن من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “فليقل خيرا أو ليصمت“.
وأين هي أصول العلماء في أن لازم المذهب ليس بمذهب إلا إذا التزمه صاحبه وعدم المؤاخذة بالمآلات بالنسبة للمعين وأنه لا يحكم بالظنون وإنما بالبينات القطعية بل وأين رفع الملام عن الأئمة الأعلام وأين الجمع بين الولاء والبراء في الشخص الواحد إذا كان من أهل الصدق وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وأين القواعد الفقهية في أن اليقين لا يزول بالشك وأن الضرر يزال.
وأين المقاصد الشرعية في ترك بعض الإختيار مخافة الوقوع في مفاسد أكبر وأن السكوت عن المفسدة الصغرى إذا كان المآل أكثر بطلانا فقد شاع في الناس أن دخول المشركين إلى المدينة النبوية أمر محرم ولم يرد فيذلك أي نص على الإطلاق فيسكت العالم عن هذا الأمر مخافة أن تطوف العاريات بالمسجد النبوي وأن يدخل أهل النجاسة إلى البقيع.
وأين أصول الإعتقاد في أنه لا يلزم من بطلان النوع تجريح المعين حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع وخاصة في الأمور الخفية التي تحتاج إلى نظر وتأمل.
وأين قواعد علماء الجرح والتعديل في ما يُطوى ولا يُروى، وأن من صحت أصوله فالاعتقاد لا يُجرَّح بالشبهة، وأن الرجل العدل لا يُرَدُّ بالظُّنُون والأوهام.
وأين أقوال قضاة العدل “لأن يخطئ القاضي في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة” ودليله قول النبي عليه الصلاة والسلام: “ادرؤوا الحدود بالشبهات“.
كل هذا مع العلماء الصادقين الذين توفرت فيهم شروط الاجتهاد والعلم وكانت المسائل محتملة وكان القصد حسنا واستفرغ العالم الجهد في طلب الحق فهو بين الأجر والأجرين، أما إذا زَلَّ العالِم فهي زلة لا تُقْبَل بِحال ولكل مقام مقال، أما أهل البدع والأهواء وأصحاب الفتن والضلالات ومن بَدَّلوا وغَيَّروا وخالفوا هدي النبي عليه الصلاة والسلام فمنهجهم باطل وأصولهم فاسدة فلا يحتج لهؤلاء المفسدين بالقواعد الرصينة التي وضعها أئمة الهدى لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
هذا وإن مسألة دار القرآن ونشره وخدمته والذب عنه وتعليم الناس التجويد والقراءات فهذا أصل أصيل يجب أن نتعاون جميعا عليه وليس متعلقا بشيخنا أبي سهل محمد ابن عبد الرحمن المغراوي وإن كان له فضل عظيم في التأسيس والبناء والعمل الدؤوب تقبل الله منه ذلك ورفع الله درجاته في الجنة، فهما جهتان منفكتان غاية الانفكاك ولا يجمع بينهما إلا من يعادي القرآن الكريم ولا يريد خدمته ويتضايق فؤاده من الشباب الأطهار الذين يحسنون تجويده والفتيات الطاهرات اللواتي يحفظن القرآن عن ظهر قلب بطرائقه النبوية.
قال الله تعالى:
وهناك مسألة يجب التنبيه عليها، وقد ألف الأستاذ عصام البشير حفظه الله ورعاه كتابا نافعا مفيدا حول العلمنة في صفوف الحركات الإسلامية، فقد أصبح طلاب العلم الشرعي وبعض مشايخ الدعوة من أهل الحديث والأثر ينجرفون وراء زيغ الحركيين وانحراف الحزبيين فعندما يقول مثلا شخص إن الشيخ ذهب للتصويت وأظهر كلمة نعم وهذا مناف لأبسط قواعد اللعبة الديموقراطية، فهذه مؤاخذة فاسدة لأن المقياس الشرعي هو الحلال والحرام لا قواعد اليونان ولا أصول الرومان بل أصبح العديد ممن ينتسب إلى السلف الصالح والعمل بالدليل والتمسك بالسنة يقول الحل هو الصناديق وهذا كلام باطل شرعا بل أصبح بعضهم يقول إن الرئيس الذي وصل عن طريق الانتخابات هو الرئيس الشرعي الوحيد كما لو كان قد وصل بطريقة نبوية أو بمنهجية عمرية، هذا لا يمنع أن ينافح المرء عن شخص إذا كان مظلوما أما أن تعتبر هذه الطرائق شرعية وهذه الوسائل نبوية فهذا من العلمنة التي لطَّخت الدعاة وضلَّلت المشايخ فاختلط عندهم نور الوحي بظلمات اليونان، إن العديد من المؤاخذات لا علاقة لها بالحلال والحرام ولا بأنوار النبوة ولا بسنة الخلفاء الراشدين وإنما هي ضلالات الحركيين وانحرافات الحزبيين ممن تأثروا بالعلمانية وأفسدت عليهم مناهجهم فخلطوا الحابل بالنابل والله المستعان.
وهناك قضية أثيرها لأنبه بعض الإخوة الأفاضل الذين يرون الآلية والإجرائية والدخول في المسلسل الإنتخابي، فمؤاخذة هؤلاء للشيخ أبي سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي حفظه الله غير معتبرة إطلاقا، لأنهم باعتقادهم جواز اختيار الأصلح فهم متفقون مبدئيا على أن الشخص يختار من يراه الأًصلح وأن من اعترض عليه فليس ديموقراطيا بل هو ديكتاتوري يريد أن يفرض على الناس رأيه فَكُلٌّ يختار ما يشاء بأريحية ويساند من يريد بشفافية وإلا أصبحوا مثلنا نحن الذي نرفض الآلية والإجرائية ونمنع من التصويت للأصلح، ومن حق أهل اللعبة الديموقراطية أن يسموننا بالمتطرفين أو الغلاة أو أصحاب فقه الأوراق أو مشايخ الحيض والنفاس وينعتوننا بالبيترو دولار، ونحن من حقنا أن نصف هذه المناهج على مستوى النوع لا الأعيان بالزيغ والانحراف والضلال ومخالفة السنة والكور بعد الحور والسلب بعد العطاء، أما أن يتنازعوا فيما بينهم وهم متفقون على الأصل من حيث المبدأ فهذا من أدلتنا عليهم على بطلان طريقتهم وفساد مناهجهم {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء:82)، فالخلاف الذي يقع بين من يرى الآلية والإجرائية ومن يرى التصويت للأصلح هو خلاف سياسي لا عقائدي وإشكالات حزبية لا منهجية وبالتالي فهي مسألة فرعية لا أصلية، وإنما الخلاف بيننا وبينهم جميعا لأننا نرفض الإجرائية والآلية والتصويت للأصلح، وقد قرأت في بعض كتب شيخنا الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله رحمة واسعة أنه قال: “أن الخلاف السياسي لا يوجب عداء ولا هجرانا” وهذا محمول على الكلام في ظروفهم الصعبة حيث تقاتل الناس لأسباب حزبية بعد الاستقلال وقد حاول الشيخ الكبير محمد بن العربي العلوي أن يجمع قادة الخلاف في مدينة تمارة في بيت أحد صناديد الفتنة ولم يفلح رحمه الله في شيء من ذلك وهذه مواقف علماءنا الكبار في إطفاء نيران الفتن، فإن كانت هذه النازلة على ميزان ما تكلم عليه أئمتنا رضوان الله عليهم فالحكم سواء وإلا فللعلماء الأجلاء النظر في ذلك ونحن ندور مع الدليل حيث دار.
وفي الختام أقول لإخوتنا وأحبتنا جميعا إننا نعلم يقينا صدقكم في النصح لشيخنا الحبيب وإخلاصكم للدعوة إلى الله ومحبتكم للخير وهذا نعرفه عنكم جميعا فأنتم أهل سابقة في الدعوة إلى الله وكان غضبكم في الله تقبله الله منكم فنحن نريد أن نكون رحماء بيننا جميعا وأذلة على بعضنا البعض وأن نحسن الظن بإخواننا كلهم ونحسب أن هذه السحابة ستنقشع وتظل أنوار النبوة تضيء لنا الطريق الى الله.
فهَلُمَّ جميعا أيها الأطهار من أهل الحديث والآثار وأصحاب التوحيد الخالص إلى صلح في الله وأن نُطفئ هذا الغضب وأن تجتمع الكلمة في الله مع النصح والتقويم والبيان وإقامة الحجة ولِنُفَوِّت على شياطين الإنس والجن كل مخططاتهم الرهيبة لأن الله أمر أهل الحق بالاجتماع لا بالافتراق وبلزوم حبله المتين لا بالبدع والأهواء ومن سعى في الخير أعطاه الله الأجر العظيم والجالس في الفتنة خير من الماشي والماشي خير من الساعي والدال على الخير له أجر فاعله وخير الناس من كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر وهذا لا يمنع أن نرفض المنكر وأن نأبى البدعة وانصر أخاك ظالما أو مظلوما ومنعك أخاك من البدعة أو الفتنة هو نصرك له كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وأعز وأحكم.
ذكرت هذه الكلمات ابتغاء مرضاة الله إن شاء الله تعالى وحرصا على لزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ورغبة في جمع شمل أهل الحق على الحق بالحق فإن كان صوابا فمن توفيق الله وتسديده وإن كان غير ذلك فمن النفس والهوى والشيطان وأستغفر الله العظيم، كما أن المجال مفتوح للبحث والدراسة والتعليق والتعقيب في ظلال قوله تعالى “رحماء بينهم” وتحت أنوار قوله تعالى “أذلة على المومنين” ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله الأطهار وصحبه الأخيار.
كتبه أخوكم المحب لكم وتلميذكم المتواضع بين أيديكم أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين.
يوم الثلاثاء سادس عشر من شهر الله المحرم عام ثمان وثلاثين وأربع مئة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم موافق 18 أكتوبر 2016 م.