الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 11: العلماء الربانيون وفقه السنة النبوية

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 11: العلماء الربانيون وفقه السنة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

موضوع اليوم: العلماء الربانيون وفقه السنة النبوية.

السنة النبوية هي رواية ودراية، وهي أسانيد ومتون، وهي رجال ومرويات، وهي علم بالعِلل وفقه في المتون.

وقد كان الصحابة يروون الأحاديث النبوية وينقلون معها الفقه والفهم والاجتهاد والدراية، كما كان حرصهم شديدا على العمل بذلك والتزامه والتمسك به، وهم على الدعوة إلى ذلك ونشره أحرص، وهكذا ورث علماء التابعين السنة علما وفقها وسلوكا ودعوة، ثم أورث التابعون أتباع التابعين هذا الميراث العظيم والخير العميم، وتَشَرَّب ذلك الأئمة الهداة المهتدون والفقهاء الجهابذة المجتهدون هذا الميراث النبوي الشريف، وهي سلسلة مباركة حملت هذا العلم رواية أمينة وفقها دقيقا وعلما غزيرا لا يمكن فصل آخره عن أوله، بل يعتز الأئمة الكبار بأخذهم العلم عمن سلف من الصحابة والتابعين.

ففقه السنة والعلم بالأحكام المستنبطة من الحديث واجتهاد المحدثين في المسائل الفقهية هو أمر معلوم محقق لا ينكره إلا جاهل أو مغرض.

فالسنة النبوية والحديث المنسوب إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو إلى صحبه الكرام مما هو حجة كأن لا يخالف الصحابة في أقوالهم الحديث المرفوع وأن لا يختلف الصحب بينهم في ذلك، وإلا أخذنا بالراجح من أقوالهم على أن لا نخرج على أقوالهم.

فهذه السنة النبوية هي أصل عظيم في التشريع الإسلامي مع كتاب الله عز وجل، وقد نقلها الصحابة إلى التابعين علما وفقها وسلوكا ومنهج حياة.

ومن فقه السنة أن الحديث النبوي إذا سَلِمَ من المعارض الشرعي فهو حجة في الباب، والمعارض الشرعي يجب أن يكون معتبرا وإلا فقد اعترض الناس على الحديث النبوي باعتراضات فيها نظر كبير، بل وبمسائل باطلة قطعا.

فالمعارض المعتبر كأن يكون الحديث غير صحيح ولا هو من دائرة المقبول كالحسن، فلا يُحتج بالحديث الذي لم تتوفر فيه الشروط المعتبرة.

والمعارض المعتبر أيضا كأن يكون الحديث مخالفا للإجماع المتيقن، فإذا صح سنده وجب تأويله بما يوافق الإجماع المتيقن.

وكذلك يجب أن لا يكون الحديث منسوخا ولا مخصصا ولا مقيدا.

كما أنه يجب أن يكون له صلة بالتشريع، أما إذا كان من أمور الجبلة أو العادة أو ما إلى ذلك فهذا لم يسلم من المعارض المعتبر.

كما أن هذا الحديث يجب أن لا يخالف ما هو أصح منه سندا ولا ما هو أقوى منه متنا، فهذا إن صح سنده يجب أن يؤول بما يوافق ما هو أصح منه.

ويجب أن لا يكون الحديث واقعة عين أي جوابا عن سؤال أو ردا عن حالة معينة يفسر الحديث من خلالها فقط ولا يتخذ قاعدة عامة كقوله صلى الله عليه وسلم: “الطبيب الله”، فهذا كان جوابا عن أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه طبيبا، فلا يقال هذا من أسماء الله الحسنى، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “السيد الله”، فالسيد المطلق في سؤدده هو الله جل وعلا، فخرج هذا جوابا عن حالة معينة ولا يستفاد من ذلك تحريم إطلاق السيد على غير الله، كما يليق بالباري فيما يتعلق بإطلاقه على الله عز وجل وهي في المخلوق بحسبه، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أطال شعره بصورة شوهاء وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يسلم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام أزل عنك شعر الكفر واغتسل، ومن المقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتاه خلق كثير يريدون أن يسلموا فلم يأمر أحدا منهم بإزالة شعره وإنما كان يأمرهم جميعا بالاغتسال، فدل على أن هذه واقعة عين لا عموم لها وأن هذا الشخص كان على صورة مشوهة كالمجانين والبله، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح لعبد الله بن سلام أن يقرأ يوما القرآن ويوما التوراة فقد كان هذا في أول إسلامه فاما شملته أحاديث النهي واما أنه خص بذلك وليس أمرا عاما، لأن من المقطوع به أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التعبد بالكتب السابقة وهي التوراة والانجيل ونهى عن مشابهة الأحبار والرهبان وأمر بأن يخالف المسلمون اليهود والنصارى مخالفة كاملة.

كما أن الحديث الذي يخالف القطعيات من الحس أو العقل بالمعنى الشرعي وجب تأويل ذلك إذا صح حسب ما هو معروف بالحس أو العقل، فقوله صلى الله عليه وسلم: “الكافر يأكل في سبع مِعى والمؤمن يأكل في معى واحد” وهو في البخاري وهو يخالف الحس والمشاهدة فوجب حمله على أنه واقعة عين لا عموم لها كما يبين ذلك بداية الحديث.

كما أن القواطع العقلية وليس بالمعنى الذي يذكره المتكلمون والأشاعرة والمعتزلة وغيرهم ممن يصفون الجهالات اليونانية بأنها قطعيات عقلية ويردون بذلك صريح الكتاب وصحيح السنة بأوهام زائفة وأقوال باطلة.

فإذا سلم الحديث النبوي الصحيح من المعارض المعتبر كهذا الذي سبق ذكره وغيره كثير من الأسباب التي اعتبرها الفقهاء الصادقون والعلماء المحققون في وجوب تأويل ظواهر النصوص من الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

فإذا سلم من ذلك كله فيجب على المسلم أن يعمل بالحديث وأن يتمسك بالسنة وأن لا يحيد على ذلك قيد أنملة بحجة أن هذا يخالف ما كان عليه إمام المذهب أو أصحابه المحققون في المذهب أو ما إلى ذلك من الأقوال التي لا تساوي جناح بعوضة في أسواق العلم النافع والتحقيق الجاد.

هذا لمن كانت له الأهلية للاجتهاد والبحث والتحقيق علما بأن الاجتهاد يتجزأ، أو كانت له الأهلية للتمييز بين أقوال المجتهدين من العلماء.

أما إذا كان قاصرا على هذه أو تلك فليكن له في الباب سلف، فيعمل بالسنة الصحيحة ولا يقلد في دينه الرجال وأن يكون له في الباب سلف من الأئمة المهتدين والفقهاء المجتهدين حتى لا يُفتح باب للفتنة يتلاعب فيه المتلاعبون ويفسدون في الأرض ولا يصلحون فنقع في فتنة كبرى وقد فررنا من فتنة التعصب المذهبي وتقديم أقوال الرجال على قول النبي صلى الله عليه وسلم وأحلاهما مُرٌّ.

وقد شاع في أزمنة متأخرة عن قرون السلف الصالح أقوال قبيحة وتؤول إلى منكر فظيع، وذلك أن المتكلمين والأشاعرة والمعتزلة أشاعوا أن أصحاب الحديث ورواة السنة لا علاقة لهم بالفهم ولا بالفقه وإنما هم يحملون العلم ولا يفقهونه ويروون الأحاديث ولا يفهمونها، كما أن المنتسبين إلى الفقه من أهل الرأي المذموم والغلو في القياس ذكروا ذلك عن أصحاب الحديث بل وغمزوا الأئمة العظماء كالشافعي وابن حنبل والبخاري وغيرهم من الأئمة الفقهاء النحارير الذين يستخرجون كنوز السنة من الروايات الصحيحة، وصب المتمذهبون والمتعصبون لأقوال الرجال العارية عن الدليل بل لما يخالف الدليل الصحيح مخالفة صريحة وعضوا على أقوال أئمتهم وقدموها على النصوص النبوية الصحيحة حتى قال قائلهم وبئس ما قال عفا الله عنه كل آية أو حديث تخالف ما عليه الأصحاب فهي مؤولة أو منسوخة، أي أصبحت المذاهب هي الأصل وأصبحت النصوص الشرعية هي الفرع فتحمل الفروع التي هي نصوص الشريعة على الأصول التي هي أقوال الرجال المخالفة للأدلة القطعية وهذا من الباطل قطعا.

وقال آخرون ما كان هذا ليفوت الإمام وإذا فات الإمام ما كان ليفوت الأصحاب فاغلقوا كل أبواب العلم والفقه والفهم بسبب التعصب المذهبي ونبذ الحق المبين.

وتبعهم أقوام من غلاة التصوف فأنكروا على أهل الحديث علومهم واعتبروا ذلك حجابا يصد الناس عن الحقيقة التي بنوها على قواعد باطلة وأصول دخيلة على الشريعة المحمدية، وإن كان في العديد من فقهاء الرأي ورجال التصوف أقوام لهم فضائل عظيمة وخصائص كريمة والكمال عزيز ويؤخذ من أقوال الرجال ما وافق الحق ويرد عنهم ما خالف الحق.

فاختلط على الأمة الحابل بالنابل، وعمت الفتنة وأصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا، وغدا الحق البين شذوذا، واشتهر بين الناس البدع والأهواء والضلالات والفتن على أنها ميراث النبوة، وإذا نادى مناد بالحق قامت عليه العمائم وجهلته المشايخ وغدا كجلد الأجرب بين الخلائق.

ولا حول ولا قوة الا بالله .

حسبي الله ونعم الوكيل.

وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.