بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.
موضوع اليوم: الغلو الشركي والغلو البدعي.
الغلو هو مجاوزة الحد في كل شيء.
والغلو الشركي هو تعظيم الأشياء تعظيما يخرج عن الحد الشرعي، تعظيم الأشخاص وتعظيم الأمكنة وتعظيم الأزمنة بما يناقض الربوبية ويضاد من جميع الوجوه الألوهية، فهذا شرك أكبر وكفر أعظم.
أما الغلو فيما دون ذلك فهو من البدع والمحرمات، سواء في تعظيم الأشخاص أو الأزمنة أو الأمكنة بما لا يبلغ إلى درجة مناقضة الربوبية أو مضادة الألوهية من كل وجه.
فالمدح للأشخاص إذا بلغ إلى حد الشرك فهو شرك، وإذا كان في حدود البدعة فهو بدعة ومعصية وكبيرة وحرام على قدر الجرم يكون الحكم.
أما إذا كان المدح والإطراء فيما هو جائز فهو جائز وقد يكون مستحبا حسب الأحوال.
وقال صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس! إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين”.
فلا يجوز أن يسلك العلماء الربانيون في هذه الأمة مسلك الأحبار والرهبان ممن غَلوا في دينهم غُلوا شديدا أدى بهم إلى أن بدلوا دين التوحيد إلى الشرك ورسالة الحق إلى الباطل.
فعلماء التوحيد جزاهم الله خيرا يحرصون غاية الحرص على جناب التوحيد أن يخرق وعلى نور الحق أن ينطفئ فيبينون الشرك وطرقه ووسائله وما يؤدي إليه أداء منهم للأمانة وحرصا على القيام بالواجب، مع أنهم يحكمون على كل شيء بالميزان الحق وبالعدل الكامل، وما ذكروه على سبيل التحريم سدا للذريعة لا يجوز وصفهم بأنهم يكفرون المسلمين بغير حق بل يفرقون بين ما هو حرام أو بدعة أو ما هو شرك وكفر وكل ذلك بالحجة والبيان والدليل والبرهان.
والضابط الكبير في هذا الباب هو الاعتقاد بأن الرب رب وأن العبد عبد.
فكل من صدق الله في الاعتقاد في وحدانيته وربوبيته وألوهيته وأن كل من سواه عبد مربوب مقهور ذليل مغلوب لا يقدر على شيء ولا يستطيع شيئا إلا بإذن الله، فهذا قد نجا بإذن الله من الكفر ومن الشرك، فليحرص هذا العبد ما استطاع أن ينجوا من البدعة والضلالة والغواية والفتنة حتى يكون موحدا توحيدا خالصا لله رب العالمين.
فمن أتى المقبور وهو يعتقد أنه عبد ضعيف لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يرفع ولا يضع وأنه لا يستطيع شيئا ولا يقدر على شيء ولا يملك شيئا ولا يخترق غيبا وليس له على الله أي حق البتة، فهذا لا يقال فيه مشرك وإن غلا في هذا المقبور فغلوه محرم وفعله باطل ولكنه ليس مشركا حتى يعتقد في هذا العبد الربوبية أو أن يصرف له من العبادات ما لا يصلح إلا لله أو يجعله وسيطا له حق على الله أو يغلوا فيه الغلو الشركي الذي هو من خصائص الرب.
فالغلو يكون في الأشخاص، فالنصارى غلوا في المسيح، واليهود غلوا في العزير، وقوم نوح غلوا في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وفي كل الأمم حصل الغلو في الأشخاص، واللات والعزى ومناة كلها ترمز إلى أشخاص أحبها الناس ثم عظموها ثم غلوا في التعظيم ثم آل بهم الأمر إلى عبادة هذه الأصنام فأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا.
وقد غلت هذه الأمة في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غلوا شديدا، كما غلا الكثيرون في الصالحين ممن أحبهم الناس ثم عظموهم ثم غلو في تعظيمهم ثم عبدوهم من دون الله فبنوا عليهم المشاهد وشيدوا عليهم الأضرحة وأقاموا المواسم فذبحوا لهم ونذروا مما لا يصلح إلا لله واستغاثوا بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله واعتقدوا فيهم ما لا يحل إلا لله وجعلوهم وسائط وشفعاء فيما هو شركين فحسبوا أن لهؤلاء حقوقا عظيمة على الله، وكل هذا من الشرك الصراح والكفر البواح.
ومن سلم منهم من هذا الشرك فقد وقع في المحرمات والبدع فعظمهم وغلا فيهم ما لا يحل ولا يجوز فيما هو من دون الشرك فتوسلوا بهم التوسل البدعي وتبركوا بهم فيما هو محرم، فوقعوا في المحذور وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر عياذا بالله.
فنحن لا نقول بأن من توسل بالمقبور فقد أشرك بالله، أو من تبرك في المقبور فقد كفر كفرا أكبر، إلا إذا صاحبه اعتقاد يناقض الربوبية أو صرف لهم من العبادة ما لا يليق إلا بالله أو جعلهم وسطاء وشفعاء الشفاعة الشركية أو غلا فيهم الغلو الذي يناقض الربوبية أو يضاد الألوهية.
أما التوسل بهم أو التبرك بمقاماتهم إذا خلا من الشرك فهو من البدع والضلالات والأهواء والمحرمات.
فاتقوا الله يا عُبّاد القبور ولا تقولوا على أئمة التوحيد الإفك المبين ولا الافتراء المشين، وردوا على الحجج بالحجج وعلى الأدلة بالأدلة، فالمسألة علمية محضة تحتاج إلى العلم المحض.
فلو قال قائل اللهم إني أتوسل إليه بجاه هذا الولي الصالح لأنه جاهه عندك عظيم أن تقضي مصالحي وتيسر أمري وأن تجعلني من أهل الجنة فأنت الرب وما هذا إلا عبد لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء وإنما أنت الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد، فهذا التوسل ليس شركا ولكنه لا يجوز بحال وكلما كان أبعد كان أشد حرمة وأقبح بدعة، لأن الله تعالى يقول:
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، إنَّكُمْ ليسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهو معكُم”.
ناهيك على أن هذا أمر قد يتسع وخاصة عند العامة والجهال، فيكون ذريعة إلى التوسل الشركي، فسد الذريعة فقه عظيم وصيانة لجناب التوحيد وذب عن حرمة الحق.
فلا يحكم العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين على الشيء بأنه كفر أكبر أو شرك أعظم إلا بالبينة القاطعة والحجة النيرة لأن هذا هو الميزان الذي أنزله الله مع الكتاب لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ناهيك أنهم يفرقون بين النوع والمعين فيما لا يضاد الإيمان من جميع الوجوه وهم يراعون من هو حديث عهد بكفر أو نشأ في بادية نائية أو كان في الأزمنة والأمكنة التي انطفأت فيها أنوار النبوة كما هو حال العديد من المسلمين اليوم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.