الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 12: العلماء الربانيون وفقه السلف الصالح

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 12: العلماء الربانيون وفقه السلف الصالح

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

موضوع اليوم: العلماء الربانيون وفقه السلف الصالح.

لقد مدح القرآن الكريم والنبي العظيم سلف هذه الأمة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لأنهم الأساس الذي انبنى عليه أمر هذا الدين.

لقد رضي الله عن هؤلاء الثلة المباركة من خيار هذه الأمة وأنزل الله عليه السكينة ويسر الله لهم الفتح المبين.

وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة في فضل الصحابة الكرام، وذكر الأئمة في مصنفاتهم كتبا خاصة بالصحابة، وألف علماء الإسلام وجهابذته العظماء في الصحابة كتبا خاصة ومؤلفات نافعة تبين عظمة الصحابة الكرام وأنهم أفضل هذه الأمة وأعظمها وأشرفها وأعلاها قدرا وأسناها مجدا.

والصحابة الكرام عدول بإجماع العدول، وثقات لا يختلف في ذلك الثقات.

وكون الصحابة عدولا لا تعني أنهم معصومون من الخطأ اليسير، لكنهم في باب الرواية والعلم والفقه والاستنباط هم المقدمون في كل باب، والائمة الذين لا يُشق لهم غبار رضوان الله عليهم، فالصحابة هم الواسطة الأمينة والسفارة الصادقة بين الرسول الأعظم وبين هذه الأمة المباركة.

فقد نقلوا العلم النافع رواية صحيحة ودراية دقيقة ورعاية مباركة وفقها سليما، فلم يكونوا كالحمار يحمل أسفارا، ولا كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، بل كانوا ينقلون علما يفقهونه ويعملون به ويعظمونه وينشرونه ويغرسون في الأجيال المتتالية حب العلم والعمل والاستقامة والدعوة والجهاد.

فالسلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة المهتدين مدرسة علمية كبيرة لها أصول عميقة وجذور أصيلة وعلوم نافعة وفهوم رفيعة.

فأهل الأهواء والبدع ممن يتنقصون الصحابة والتابعين والسلف الأكرمين، وقد يبالغ بعضهم فيصفهم أنهم مجرد أعراب بوالين على أعقابهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

أما البعض الآخر فقد تأدب من جهة مع الصحابة الكرام فقال قد شغل القوم العبادة والجهاد عن تحرير مسائل الاعتقاد.

واعتبر البعض أن زمن السلف الصالح هو مرحلة مباركة لكنها ليست مذهبا إسلاميا وكلمة المذهب كلمة مجملة تحتمل معاني صحيحة ومعاني باطلة ليس هذا محل تفصيل ذلك.

والعديد ممن أفسدتهم المدارس العقلية المختلفة يقولون عن الصحابة قولا قبيحا ووصفا شنيعا حتى يتسنى لهم ولغيرهم أن يقولوا على الله بغير علم.

وبعض الأخيار يقولون وددنا لو أدركنا الصحابة الكرام فنقبل أيديهم ونسألهم الدعاء لكن الفقه والفهم والاعتقاد والسلوك هي لمن جاء بعدهم.

تختلف الوسائل وتتعدد الطرائق وتتقارب النتائج وتتفق المخارج عند أهل الأهواء والبدع ومرضى القلوب ومن تشربوا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والصحابة الكرام عرب خُلَّص، رضعوا ألبان اللغة من معينها الحق، فهل من جاء بعدهم من أئمة اللغة أعلم بالصحابة بالعربية؟

هذا لمن يقول ها هو القرآن بين أيدينا والسنة نعلمها ولغة العرب ندركها فلسنا بحاجة إلى وصاية أحد على ديننا ولو كان الخلفاء الراشدون فضلا عن غيرهم من الصحابة المباركين، وهذه اللغة قد اختلف الناس في ذلك وتعددت المدارس ولم تستطع أئمة اللغة الإحاطة بالكثير من ذلك لأن أغلب اللغة سماعي وآخر قياسي، وقد أبدع أئمة اللغة في ذلك إبداعا عظيما، لكن الصحابة أعلم باللغة والشعر والحكم والآداب.

والصحابة أعلم بكتاب الله من القراء المشاهير، فلم يكن هؤلاء إلا تلاميذ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة أعلم بالتفسير والتأويل، وقد عاشوا أسباب النزول، والأحوال التي تنزلت فيها السور، والظروف.. والهجرات.. والمغازي.. والقضاء.. والمحن..

وقد كان التابعون يفتخرون أنهم ختموا القرآن مدارسة مع الصحابة الكرام آية.. آية..

وهم نقلة السنة والأمناء على حديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، فكان الصحابة يعلمون التابعين الحديث وسبب وروده ومعناه والأحكام المترتبة عليه والفوائد المستنبطة منه، فكان في كل الأمصار العظيمة جمع من الصحابة الكرام يعلمون الناس القرآن والسنة والفقه والحكمة والعمل والاجتهاد وكل أبواب الخير.

فالعلماء الربانيون الصادقون في كل جيل ورثوا هذا العلم النافع الذي أورثه النبي محمد صلى الله عليه وسلم صحبه الكرام، وجعلهم الأمناء المباركين لنقل هذا الخير الكبير.

فهذا العلم الموروث هو الحق المبين وهو الصراط المستقيم والنهج السليم والخير العميم، من تمسك به نجا، ومن سلك غير سبيل المؤمنين وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان كان فيه من الضلال على قدر بعده عنهم، فإذا اشتط وغلا كان من أعداء الله ورسوله وخصوم دينه وهم أولياء الشيطان وكان كيد الشيطان ضعيفا.

وإذا كان الكلام عن العبادة والزهد والتنسك والتذلل، فالصحابة هم أئمة الخلق في ذلك كله، فهم أعبد هذه الأمة وأصدق الخلق وأكثر الناس تقربا إلى الله وأزهد بني آدم في الدنيا وأهلها، فكل من جاء بعدهم مهما علا قدره وسما نجمه فهم جميعا عيال على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن كان الكلام عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبناء دولة الإسلام على أسس الخلافة الراشدة والسياسة الشرعية العظيمة والعلاقات مع غير المسلمين سواء في بلاد المسلمين أو غيرها، والمحاكم الشرعية، ونشر التعليم الهادف، والأعمال الاجتماعية العظيمة وما إلى ذلك من عظائم الأمور التي هي حلم الصادقين وأمل الربانيين في هذه الأمة عبر كل الأجيال، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدمين في ذلك كله والأئمة العظماء والمتبوعين بحق، فهم آية الآيات، وكرامة الكرامات، بل هم معجزة عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد له بصدق الرسالة وصفاء الأمانة وأنه أوجد جيلا نادرا وأصحابا حواريين لا يستطيع ذلك ولا يقدر عليه إلا أعظم نبي وأكرم رسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

فالعلاقة بين السلف الصالح من الصحابة والتابعين وبين الأمة عبر أجيالها كلها ليست علاقة محبة وتعظيم وتشريف وتقدير فقط، بل إضافة إلى هذه العلاقة العاطفية العظيمة هناك علاقة العلم والفقه والفهم والاستنباط، فلا طريقة في فهم الشرع إلا ما فهمه السلف الصالح، ولا علم إلا ما علمه الصحابة والتابعون، ولا دين إلا ما ورثه الناس عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.

وكل المدارس سواء من تنقص الصحابة أو وقرهم ممن لم يسلكوا طريقة السلف الصالح وفقههم وعلمهم وفهمهم ودينهم فقد سلك غير سبيل المؤمنين.

فمن اتبع غير سبيل المؤمنين والمراد به هنا هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم هم من كانوا عند نزول هذه الآية، فلا شك أنه قد شاق الرسول، ومشاققة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الضلال المبين والفتنة العمياء والفساد العريض.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.