الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 01: من هم العلماء الربانيون؟

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 01: من هم العلماء الربانيون؟

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

موضوع اليوم: من هم العلماء الربانيون؟

العلماء الربانيون هم ورثة الأنبياء، فقد ورث العلماء الربانيون ميراث النبوة العظيم، ورثوا العلم والعمل والإخلاص والصدق والتضحية والإيثار والزهد والتفاني بالتمسك بالحق المبين.

فالعلماء الربانيون يزهدون في الدنيا وأهل الدنيا ولا رغبة لهم في جمع الأموال ولا تكديس الثروات، فثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون.

أما إذا انغمس أهل العلم في البؤر المتعفنة من حطام الدنيا وسابقوا أهل الأموال ونازعوا أصحاب الثروات ولهثوا وراء الدرهم والدينار واختلط عندهم الحابل بالنابل فهؤلاء ليسوا من العلماء الربانيين الذين ورثوا النبوة ميراثا حقيقيا، وإنما هم سالكون طريقة الأحبار والرهبان الذين ضلوا ضلالا بعيدا وغضب الله عليهم غضبا شديدا.

ولا تنس نصيبك من الدنيا ليس معناها أن يغرق العبد في الأوحال ويسيل لعابه عما هو إلى زوال بل يأخذ نصيبه من الدنيا بالحق وأن يصرفه في الحق من غير تعلق ولا فتنة، حتى وإن اتسعت دائرة المال الصالح للرجل الصالح.

أما الذي يبيع دينه بدنيا غيره ويكذب على الله ورسوله ويحرف ويبدل ويلعن أهل الحق ويذمهم ويتنقصهم ويماريهم لخدمة الباطل، ويجاري السفهاء في لهوهم وعبثهم وفسقهم ومروقهم، فهؤلاء شياطين يلبسون ثياب الرهبان وأبالسة ينصرون الباطل وينشرون الفتنة وهم أعوان المسيح الدجال.

فالعلماء الربانيون هم السابقون إلى الخيرات.

والعلماء المقتصدون وفيهم بعض المقصرين هم دون رتبة الربانيين وفيهم خير عظيم يجازي الله كلا بما هو أهله، والله جل وعلا أهل التقوى وأهل المغفرة، وفيهم أقوام  خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فهؤلاء جميعا لا يفتح لهم ولا يمكن، وقد يغفر الله لهم تقصيرهم فالله غفور رحيم، لكنهم ليسوا من الشهداء في الأرض على الخلق ولا هم أئمة الهدى وليسوا وراث النبوة البتة.

أما علماء السوء وخطباء الفتنة ووعاظ النفاق فهؤلاء لا يحسبون على أهل العلم والفضل والخير بل هم رؤوس النفاق والفتنة وسدنة الفساد في الارض،  فهم من حطب جهنم ويجرون من أقتابهم ويتأذى أهل النار منهم فقد لحقهم الغضب الشديد وحقت بهم اللعنة الكاملة.

فحديثنا في هذا الموضوع عن واجب العلماء الربانيين المخلصين المصلحين.

فالعلماء الربانيون في باب الرغبة في الدنيا يقفون عند حدود الله ويعلمون أن الدنيا فانية وأن الحياة زائلة وأن ما عند الله خير وأبقى فيزهدون ويتورعون ويتهيبون ويقنعون ويرضون ولا يبالون بالدنيا ولا بأهل الدنيا وهم كذلك في باب الرهبة والخوف من أهل الدنيا يقفون أيضا عند حدود الله فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصدعون بالحق ويقولون الذي أمر الله به ورسوله ويبينون حكم الله ويعظون أهل الدنيا بما يوجع قلوبهم كل هذا بالحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب اللائق وقد يشددون أحيانا على سبيل الاستثناء إذا اقتضت المصلحة الأكبر أو لدفع المفسدة الأعظم.

فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر عند العلماء الربانيين أن يكون أمر الإسلام وحقيقة الإيمان ونصرة المستضعفين وردع الظالمين مما يقدمه العلماء الربانيون على الأنانيات والمصالح الساقطة والرغبات الدنيئة والتسابق على الحطام الفاني، والرهبة في غير موضعها والخوف من أهل الدنيا بلا سبب معتبر.

فقد يكون المرء معذورا لكبر سن أو ضعف قوة أو مرض مزمن أو أحوال يعيشها المرء لا يستطيع أحد أن يقوم مقامه كرعاية والد أو اعتناء بولد أو قريب معوق أو مريض أو ما إلى ذلك من الأحوال الكثيرة والظروف المتنوعة التي يعيشها الناس، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وقد يلاقي العالم من المضايقات الكثيرة والمتابعات العديدة والمعاملات السيئة التي لا طاقة للمرء بها مما يعد مكرها إكراها ملجئا مما يعذر به العبد عند الله.

وقد يكون المرء من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

والأعذار الشرعية كثيرة.

لكن شريطة أن يعلم المرء وخاصة أهل العلم أن هذا العذر استثناء يراعيه الشارع الحكيم، ويود أن لو قام بالواجب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتقطع قلبه أسى على أحوال المسلمين ويتمزق فؤاده همّا على ما آل إليه أمر الأمة من الفساد العريض والاستبداد البغيض، أما أن يتحول اعتقاد المرء إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق ونصرة المستضعفين وردع الظالمين كل هذا الحق العظيم يعتبرونه للأسف الشديد نوعا من المشاغبة والفتنة والتسرع وعدم الحكمة والنزق والخفة فلا شك أن هذا اعتقاد باطل وقول فاسد وانحراف كبير وضلال مبين فهؤلاء لا يعذرون البتة لأن العذر الشرعي يتوقف على  توفر الشروط وانتفاء الموانع وهم في هذا الأمر أصبحوا أعوانا للظلمة وأعمدة للمفسدين فهم عياذا بالله منهم وإليهم.

فلا تجعل أيها العالم جبنك وخوفك وحرصك على الدنيا وخدمتك للباطل وخوفك من أهل الدنيا بغير حق، لا تجعل هذه الظلمات أنوارا، ولا هذا الباطل حقا، وإلا فعذرك قد زال وأصبحت من المفسدين ومن أعوان الظالمين وممن ينسب إلى المسيح الدجال لا ممن يرث الحق من الأنبياء والمرسلين، فكثير من الجبناء الذين ضيعوا الأمانة يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ويسمون الهلع والجزع والجبن والخوف حكمة ورزانة وتعقلا وفقها سديدا وفهما دقيقا ويعدون السقوط رفعة وتضييع الأمانة بعد نظر والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما، أما الذين اختاروا الباطل عن الحق ودافعوا عنه باستماتة وذكروا أن كل من قال كلمة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطالب بتحكيم الشريعة وانتقد القوانين الباطلة وهاجم قيم الحضارات المنتنة وفضح أساليب الاستعمار البغيض القبيحة فللأسف الشديد نجد علماء السوء وأتباع الأحبار والرهبان وجنود المسيح الدجال يسمونه إرهابا وتطرفا والمقام مقام تفصيل وفيه أمور دقيقة لكنهم لا يذكرون عمدا ولا يبينون قصدا إمعانا منهم في محادة الله ورسوله ومشاقة دينه وشريعته ولا يميزون بين الحق والباطل والخير والشر في هذه المواضيع تقربا إلى شياطين الجن والإنس وخدمة إلى المسيح الدجال ونصرة لإبليس اللعين.

فالعلماء الربانيون الذين ورثوا ميراث النبوة لا رغبة عندهم إلا فيما كان يرغب فيه الأنبياء والمرسلون ولا رهبة إلا من الله جل وعلا ويستعدون للقاء ربهم ويعملون على مرضاته ولا يبالون بالدنيا ولا بأهل الدنيا.

هذه القوة العلمية والعملية التي يرزقها الله العلماء الربانيين تكون قوة في الحكمة أيضا وحسن التدبير ووضع الأمور مواضعها فهم أعداء الفتن ما ظهر منها وما بطن ولا يحضرون مجالس الفتن ولا يشجعون على إراقة الدماء ولا إهلاك الحرث والنسل ولا ترويع الخلق ولا دمار الممتلكات لأن هذا من الباطل الذي حرمه الله ورسوله، وإنما ينصحون باللسان والقلم، وينهون عن المنكر باللسان واليد إذا كانوا من أهل الحسبة بالضوابط الشرعية المعهودة ويقومون ويسددون ولهم ميزان دقيق يزنون به كلامهم ومواقفهم وتصرفاتهم اقتفاء لآثار الأنبياء العظماء الذين هم القدوة الكبرى والمثال الرفيع.

كن أيها العالم الرباني ذا هيبة بسبب صلاحك واستقامتك ووقوفك عند حدود الله.

وكن ذا مروءة تضع الأشياء مواضعها وكن ذا رجولة تقول كلمة الحق أنى حللت وارتحلت ولا تبالي بالدنيا ولا بأهل الدنيا.

كن ذا إخلاص وصدق فلا تبتغ من وراء موقفك جزاء ولا شكورا ولا علوا في الأرض ولا فسادا، فالرياء والسمعة وحب الظهور الذي يقسم الظهور كل هذا مما يزيد العبد بعدا عن الله ولا ينفع الله بهؤلاء ولا يرفع بهم ما بالأمة من بلاء بل هؤلاء يزيدون الطين بلة والضياع ضياعا والفتنة فتنة والفساد فسادا.

 وليستو عندك ما استطعت إلى ذلك سبيلا مدح المادحين وقدح القادحين لأن من يعلم هدفه بيقين لا يبالي ببنيات الطريق.

وإن الواحد من هؤلاء العظماء الربانيين بأمة كاملة، فقد رزقهم الله القبول والمحبة والهيبة والعظمة.

وعلى قدر كمال العالم الرباني علما وعملا واستقامة وصدقا ووفاء على قدر الفتح العظيم والمن الكبير الذي يمده الله به.

فيا أيها العلماء الربانيون والدعاة المخلصون والمصلحون الصادقون هلموا إلى هذا الخير العظيم والنفع الكبير فقد يمحوا الله بالواحد منكم زلات القرون ويهدي الله بالرجل منكم أمما عظيمة وأجيالا كثيرة ويتحول هذا الفساد العريض والظلم الكبير والفسق الشنيع إلى الخير الكثير والنفع الشديد في ظلال شريعة رب العالمين حتى يعم الأمن الكامل والرخاء التام.


والحمد لله رب العالمين

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.