الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 02: صفات وخصائص العلماء الربانيين والفقهاء الصديقين

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 02: صفات وخصائص العلماء الربانيين والفقهاء الصديقين

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

للعلماء الربانيين والفقهاء الصديقين صفات معلومة وخصائص مميزة تجعلهم منارات يستضاء بها ونجوما يهتدى بها وإذا تعطلت هذه الصفات أو بعضها أو نقصت عن الحد الأدنى المطلوب زالت الربانية عن العالم وقد يزول العلم وشرفه عند ما تتعطل هذه الصفات تعطلا كليا كما وقع لأحبار اليهود ورهبان النصارى وما قصة بلعام بن باعوراء ببعيد وهو الذي أتاه الله الآيات ثم مسخ بعد ذلك شيطانا إنسيا مريدا  وإليه الإشارة في  قول الله تعالى:

وكذلك ما حصل لجرجيس الراهب النصراني الكبير والعابد العظيم الذي كان في أعلى عليين ثم هوى إلى أسفل سافلين فتلاعبت به الشياطين فأغرقوه في أودية الضلال المبين والكفر المشين وإليه الإشارة في قوله تعالى:

ولهذا قال سفيان بن عيينة وغيره من أئمة السلف: “من فسد من علمائنا فبه شبه باليهود ومن فسد من عُبّادنا فبه شبه من النصارى”.

فعلماء السوء في كل زمان ومكان ممن بدلوا وغيروا وزادوا ونقصوا وحرفوا وعطلوا قصدا وعنادا ومشاقة لله ورسوله ورغبة في الدنيا وأهلها فهؤلاء من المغضوب عليهم الغضب الكامل.

أما علماء السوء الذين قصروا وضيعوا ولم يصلوا إلى درجة التعطيل الكامل فهم مسيؤون مذنبون محاسبون على قدر تقصيرهم.

وأما من خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فهؤلاء عسى أن يعفو الله عنهم، ولكنهم ليسوا من العلماء الربانيين ولا من الفقهاء الصديقين ولا من جند الله المخلصين ولا من شهداء الله على خلقه في الأرض، وإنما قد يلحقهم عفو الله الواسع ورحمته الشاملة.

أما العلماء الربانيون فهم الكُمّل من الرجال الذين اتصفوا بالصفات الحميدة وورثوا أخلاق الأنبياء ومقامات المرسلين، هؤلاء العلماء الربانيون هم الذين يفتح الله بهم البلاد والعباد ويطفئ بهم نيران الفتن  وينشر أنوار التوحيد وأضواء السنة ويقيمون الشريعة في الأرض ويجاهدون في الله حق جهاده ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم وما إلى ذلك من الأوصاف الحميدة والأخلاق الكريمة فهم خير عظيم حيث ما حلوا وارتحلوا صدقوا الله فصدقهم وعاهدوا الله على خدمة دينه ونصرة أنبياءه ورسله فمكن الله لهم بالحق تمكينا وذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

سنحاول ذكر بعض الصفات للعلماء الربانيين على سبيل التلخيص حتى يتسنى لنا التفصيل في مناسبات أخرى.

الصفة الأولى: العلم النافع الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إن الصفة العظيمة المميزة للعلماء الربانيين وهي صفة العلم بالله والعلم بأمر الله، فربنا جل وعلا يقول:

وقول الله تعالى:

بل جعل الله العلماء شهداء على أعظم مشهود ووحدانية الرب وعظمته وجلاله وربوبيته.

فقد رفع الله العلماء إلى أعظم الدرجات فهم أمناء الله في الأرض والحراس على شريعته وخدمة كتابه والذابون عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبذلك استحقوا الوراثة النبوية  وهم شهداء الله في الأرض.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أنتم شهداء الله في الأرض”.

فصفة العلم أعظم صفة يتحلى بها العلماء الربانيون.

وهذا العلم يسمى بالعلم النافع أي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما نقله الصحب الكرام والتابعون العظام ومن سلك مسلكهم من أئمة السلف الكبار نقلا أمينا وفهما سليما وعلما غزيرا وعمقا واسعا رحمة الله عليهم أجمعين.

فالعلم بكتاب الله وبسنة النبي عليه الصلاة والسلام بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين هو العلم النافع لأنه موروث عن النبي عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله بالحق المبين، فلا يحل أن نقدم بين يدي الله ورسوله ولا أن نزيد ولا أن ننقص فضلا أن نحرف أو نبدل.

وفهم السلف الصالح فهم الذين عاشوا الوحي وشهدوا التنزيل وهم أعلم الناس بلغات العرب ورزقهم الله التقوى والعبادة والاستقامة وحسن الخلق وعاشوا في أجواء الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فكان القضاء بالشريعة ويتدارس السلف من الصحابة والتابعين هذه الأمور الدقيقة كما أن العلم كان شائعا والفقه سائدا فجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين العلم النافع وورثوه وبلغوه رواية ودراية وعلما وفقها كما عملوا بمقتضى ذلك في أمورهم كلها ولا تختلف الأمة إطلاقا في إمامتهم وعلو كعبهم وعظم شأنهم.

كما أن العلم بالمذاهب الفقهية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة إذا صاحبها تعظيم الأدلة الشرعية ولم يكن صاحبها مقلدا تقليدا أعمى فلا شك أن ذلك من العلم النافع، أما أن يتعصب الناس لأقوال الرجال ويلوون أعناق الأدلة البينة تقديما لأقوال أئمتهم فهذا أمر مرفوض وعلم مردود.

هذا عن التمذهب الذي حصل بعد أزمنة الخير وقرون الفضل.

أما ما حصل بعد ذلك من التعصب المذهبي فهذا أمر أشنع وعلم أقبح.

وفي هذه الأزمنة أصبح التمذهب تلاعبا سياسيا وانحرافا شنيعا وأمرا قبيحا وبدلوا وغيروا كما يريده أهل الدنيا عدوانا وظلما بما هو أقبح من أزمنة التعصب المذهبي وهذا قطعا كله من العلم الذي لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.