الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 03: العلماء الربانيون وتوحيد رب العالمين

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 03: العلماء الربانيون وتوحيد رب العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

موضوع اليوم: العلماء الربانيون وتوحيد رب العالمين.

إن السمة المميزة لورثة الأنبياء والمرسلين أنهم متمسكون بتوحيد رب العالمين تمسكا تاما ودعاة إليه دعوة صادقة ويتواصون بالدعوة إليه تواصيا حقا ويصبرون على طريق التوحيد صبرا جميلا.

فقد صدع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالحق المبين أول ما أمره الله بذلك فقال: “قولوا لا إله إلا الله تفلحون“.

هذه الدعوة الربانية الصادقة هي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين فقد بعثهم الله جميعا بتوحيد رب العالمين ونبذ الشرك واجتناب الكفر والتبرؤ من الجاهلية وترك كل الضلالات التي تناقض التوحيد وتساير الشرك.

فالعلماء الربانيون هم أهل التوحيد الحق فلا يعبدون مع الله غيره البتة لأن كل ما سوى الرب مخلوق مربوب ضعيف ذليل لا يستطيع شيئا ولا يقدر على شيء إلا بإذن الله جل وعلا.

فلا يكون الرجل ربانيا وهو يشرك بالله شيئا وإن اتصف بكل صفات الخير إذا لم يوحد رب العالمين فلا يساوي عند الله جناح بعوضة وكل أعماله وإن عظمت تكون هباء منثورا.

فالتوحيد الخالص والإيمان الصادق هو أن يعبد الخلق خالقهم وأن يوحد الناس ربهم وأن يجتنبوا الشرك وأهله والكفر وأصحابه تعظيما لجناب التوحيد وتحقيقا للولاء لله عبودية ولرسوله تكريما واتباعا وللمؤمنين محبة ومناصحة وتأكيدا للبراء من الشرك بكل صنوفه وأشكاله ومن أهل الشرك على اختلاف مللهم وعقائدهم.

فقد خلق الله الخليقة حنفاء موحدين وغرس فيهم الفطرة النقية وأنزل الله آدم بعد أن علمه الأسماء كلها وأرسل الله الرسل بالحق وأنزل الكتب بالبيان ورزق الله الخلق عقولا لتميز بين الحق والباطل ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل المبعوثين والكتب المنزلة، فهدى الله أهل الحق إلى صراطه المستقيم ونهجه المستبين واختار أهل الشرك الشرك ظلما وعدوانا مخالفين للحق المبين المنزل من رب العالمين بأهواء الشياطين وضلالات المجرمين.

فالأنبياء والمرسلون ومن سلك مسلكهم من العلماء الربانيين تمسكوا بالتوحيد أي إفراد الله وحده بالعبادة فلا يجوز صرف شيء من خصائص الربوبية لغير الله جل وعلا لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب فضلا أن يصرف ذلك للسحرة والكهنة والأشجار والأحجار والأوهام وأدعياء الولاية وغيرهم من المعبودات بغير حق، فكل ما يعتبر عبادة في شريعة الإسلام لا يجوز أن يصرف لغير الله.

فالربوبية المطلقة والألوهية الحقة هي أن يعتقد العبد في الرب ما هو من خصائص الربوبية وأن يصرف العبد العبادة التي لا تصلح إلا لله لمخلوق البتة، فمن اعتقد في مخلوق ما لا يليق إلا للرب كالأحياء والإماتة والخلق والرزق وعلم الغيب المطلق والإحاطة بعالم الشهادة وما إلى ذلك من خصائص الربوبية فمن اعتقد في مخلوق أنه يستطيع ذلك أو يقدر على شيء من ذلك فقد أشرك مع الله في ربوبيته ووحدانيته وعظمته وجبروته، فالذين يعتقدون في المخلوق أنه ولد الله أو أن الملائكة بنات الله أو أن أئمة البيت وأولياء الله الصالحين يتصرفون في الكون وأقدار الخلق وأرزاق الكائنات وأنهم يعلمون الغيب المطلق وأن السحرة والكهنة وغيرهم من أدعياء الولاية لهم القدرة المطلقة في التصرف في شؤون الخلق فهذا وغيره من الشرك في الربوبية وهو أشد ألوان الشرك وأقبح صنوف الكفر.

وأما من صرف شيئا من العبادة التي لا تليق إلا بالله من السجود والركوع والتوبة والإنابة والنذر والذبح والخشية والطواف والذل والخضوع مما لا يصلح إلا لله ولا يليق إلا بالباري من فعل شيئا من ذلك مع مخلوق ولو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا فقد أشرك بالله الشرك الأكبر والكفر الأعظم المخرج من ملة التوحيد إلى الشرك الأكبر لأن هذا يناقض مناقضة كاملة الشهادة لله بالوحدانية وللرب بالفردانية.

هذا فيما  كان مناقضا للربوبية والألوهية أما ما سوى ذلك من المخالفات الشرعية في باب التوحيد فقد يكون بدعة أو حراما أو ضلالة أو فسادا لكنه لا يكون شركا أكبر مخرجا من الملة إلا إذا ناقض التوحيد وشاق الحق عياذا بالله.

من ذلك موضوع التوسل والتبرك والزيارة والرقية فمن ذلك ما يكون شركا أكبر ومنه ما يكون بدعة وحراما ومنه ما يكون مختلفا فيه اختلافا معتبرا ومنه ما يكون خلاف الأولى ومنه ما يكون جائزا ومنه ما يكون عبادة صادقة وتوحيدا خالصا كما بيناه في مناسبات عدة.

من ذلك باب التوسل فالتوسل إذا كان بغير الله فيما هو من خصائص الربوبية والألوهية فهذا قطعا من الشرك الأكبر لأنه يناقض التوحيد من كل الوجوه، وإذا كان التوسل في الأمور المبتدعة والمسائل المحرمة كقول القائل إنني أعتقد أن الرب رب وأن العبد عبد وأنه أي العبد لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء وليس له على الله حق البتة وإنما أتوسل بجاهه عند الله لصلاحه واستقامته وليس له من الأمر شيء وكان هذا العبد صادقا في ما يقول لا تورية في ذلك ولا مراوغة فهو وإن نجا من الشرك الأكبر والكفر الأعظم إلا أن هذه بدعة منكرة وأمر محرم لأن العبد إذا سأل الله أجابه الرب فليس بين الرب والعبد حاجب ولا ترجمان.

أما التوسل المختلف فيه هو التوسل بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره من الأولياء والصالحين.

أما التوسل بدعائه عليه الصلاة والسلام فهو من العبادات العظيمة وأما التوسل بجاهه ولا شك أن جاهه عظيم عند الله عز وجل فقد اختلف الأئمة منذ الزمن الأول في ذلك وهو اختلاف معتبر وإن كنا نرى سد الذريعة في هذا الباب لافتتان الناس بغير النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولاستغلال أهل الشرك وعبدة القبور للأمور المختلف فيها للتوسع في الشرك غير المختلف فيه، وفي كل الأحوال فالمسألة مختلف فيها اختلافا معتبرا فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء ولا يعيب صنف على آخر فضلا أن يصفه بالشرك الأكبر أو الكفر الأعظم ومن فعل ذلك في حق الآخر فقد أعظم على الله الفرية.

وأما التوسل المشروع فهو بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا وهذا من أعظم التوحيد وأجل الإيمان.

ومن التوسل المشروع التوسل بالأعمال الصالحة وهي من الإيمان لأن الإيمان قول وعمل وأريد بها وجه الله فهو من الإخلاص.

وكذلك طلب دعاء الله وحده من قبل رجل صالح حي لا ميت حاضر لا غائب فيما يقدر عليه العبد من الدعاء لا مما لا يقدر عليه إلا الله أو لا يستطيع العبد شيئا من ذلك لأنه من خصائص الربوبية والألوهية وإن لا يعتقد العبد في هذا الرجل الصالح غلوا يخرج به عن الحد الشرعي وإلا وقع في المحذور شركا إن كان أشرك بالله أو بدعة وحراما إذا جاوز الحد ولم يصل إلى حد الشرك وقد فصلنا هذه الأمور في دروس عدة بتوفيق الله ومعونته وتيسيره.

وكذلك الأمر بالنسبة للتبرك ففيه ما هو شركي وما هو بدعي وما هو شرعي.

والزيارة والرقية وما إلى ذلك يفرق فيه بين الشركي والبدعي والشرعي.

فعبدة القبور وسدنة المشاهد والسحرة والكهنة وكل من يصرف العبادة لغير الله مما يعتبر شرعا عبادة لا تليق إلا بالله وحده لغير الله فهؤلاء جميعا وأمثالهم يخلطون بين الأمور خلطا قبيحا لنشر الشرك والذب عن الباطل ونصرة الطاغوت وخدمة الكفر.

ولهؤلاء جميعا طرائق عديدة في نصرة الشرك والتلاعب بالأدلة والمراوغات في التعامل مع النصوص ونشر الأباطيل وخلط الأوراق سالكين طريقة المسيح الدجال والسامري والملأ من رؤوس الشرك عبر التاريخ.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.