الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 05: الشرك في الألوهية

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 05: الشرك في الألوهية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

موضوع اليوم: الشرك في الألوهية.

العلماء الربانيون يتبرؤون من الشرك في كل صوره وأشكاله، والشرك كما هو في باب الربوبية كما سبق بيانه فكذلك يوجد الشرك في مسائل الألوهية.

فتوحيد رب العالمين ينقسم إلى توحيد الربوبية ومنه توحيد الأسماء والصفات وإلى توحيد الألوهية.

ويسمى توحيد الربوبية بالتوحيد الاعتقادي وتوحيد الاثبات والمعرفة والتوحيد بفعل الرب وما إلى ذلك من الأسامي لمسمى واحد، كما يسمى توحيد الألوهية بالتوحيد العملي وتوحيد الطلب والقصد والتوحيد بفعل العبد وما إلى ذلك من الأسامي لمسمى واحد.

وهذا التقسيم للتوحيد الاعتقادي والتوحيد العملي هو أمر بدهي وليس بدعة من البدع كما يزعم المخالفون في الباب لأنه لا بد من معرفة من هو الرب ومن هو العبد، فمعرفة الرب المعبود وما يجب في حقه جل وعلا هو التوحيد الاعتقادي، ومعرفة العبد وما يجب عليه في حق ربه هو التوحيد العملي، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا أُمن اللبس كما هو في هذا الباب، فتشغيب المخالفين في هذا الموضوع هو من المكابرات في المسائل القطعية اليقينية بل هو من الصد عن سبيل الله في أمور بدهية.

وكذلك الشرك هو الشرك الاعتقادي والشرك العملي لأنه بأضدادها تتميز الأشياء.

فالشرك الاعتقادي أي في باب الربوبية والصفات كما سبق بيانه هو أن يعتقد العبد في غير الله ما لا يليق إلا بالله.

والشرك العملي أي شرك الألوهية وهو أن يصرف العبد لغير الله من العبادات التي لا يصلح صرفها إلا لله عز وجل.

فكل ما هو عبادة في الشرع ولغة العرب لا يحل بحال أن يصرف لغير الله ولو لملك مقرب ونبي مرسل ومن صرف شيئا من ذلك لغير الله فقد أشرك بالله الشرك الأعظم والكفر الأكبر ولا ينفعه صلاحه ولا عبادته ولا جهاده ولا إنفاقه ولا كل أعماله.

فالذبح عبادة فلا يجوز أن يذبح لغير الله.

فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله الشرك الأعظم لأن هذه عبادة لا يجوز صرفها لغير الله.

فهذا الأصل أمر بيّن لا يجوز الجدال في ذلك، كما أنه لا يحل ذكر المستثنيات بقصد هدم الأصل، فقد يقول القائل أن الذبح لله في الموضع الذي يذبح فيه لغير الله ليس شركا أكبر وإنما هو فعل محرم سدا لذريعة الشرك، فهذا الاستثناء لا يجوز أن يهدم به الأصل وهو الذبح لغير الله.

إذا فالأصل هو أن كل عبادة شرعا لا يجوز أن تصرف لغير الله ومن فعل ذلك فقد أشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا.

نزيد الأمر بيانا لأن أعداء التوحيد يصفون علماء السنة وأئمة الهدى من دعاة الحق بأنهم يكفرون الناس بغير حق ويحكمون على عموم الأمة بالشرك ظلما ويخلطون بين الأمور خلطا فيزعمون أمورا يتبرأ منها أهل الحق وينسبون إليهم مسائل كذبا وبهتانا.

مثال ذلك في البيان مسألة الدعاء، فهناك دعاء المقبور، والدعاء بالمقبور والدعاء في المقبور والدعاء للمقبور.

أما دعاء المقبور فهو شرك أكبر، وأما الدعاء بالمقبور فهو التوسل وأحكامه متعددة لكنه ليس من الشرك الأكبر إلا بالاعتقاد فيه ما لا يصلح إلا لله وهو أمر محرم، والدعاء في المقبور وهو التبرك بالبقعة وحكمه كحكم للتوسل، والدعاء للمقبور بالرحمة والغفران إذا كان في مقابر المسلمين العامة فهو أمر مشروع جوازا أو استحبابا حسب الأحوال، أما في الأضرحة والمشاهد فتسد الذرائع وتمنع الفتن تعظيما لجناب التوحيد وحرصا على سلامة عقيدة المسلمين، وهو في كل الأحوال أخف مما قبله إلا أن يصاحب بالاعتقاد الفاسد أو الغلو المشين.

فالقول بأن علماء التوحيد يكفرون المسلمين ولا يميزون بين الحق والباطل ولا يفرقون بين الشرك الأعظم والبدعة المحرمة والأمور المشروعة هذا من الإفك المبين الذي يروجه عبدة القبور وأهل الشرك وسدنة الأضرحة وخدمة المشاهد.

إذا فالشرك الأكبر في باب الألوهية هو صرف ما كان عبادة شرعا مما لا يليق إلا بالله لغير الله.

فمن ذبح لملك مقرب أو نبي مرسل كمن ذبح لشيطان رجيم أو طاغية دجال سواء بسواء، لأن هذه عبادة خالصة لا تصلح إلا لله .

ومن ذلك أيضا الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق، فهذه عبادة عظيمة لا تصلح إلا لله، فكيف يقدر المخلوق الضعيف الفقير المقهور المغلوب على أمور عظيمة لا يقدر عليها إلا الله، فهذا اعتقاد في المخلوق أنه رب وليس عبدا، كما أن صرف عبادة خالصة لا تصلح إلا لله لعبد فهذا إيمان في أن هذا المخلوق إله يعبد من دون الله أو مع الله.

والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق فيجب أن تكون في أمر مقدور عليه من قبل الخلق وأن يكون المستغاث به حيا لا ميتا فالأموات لا يقدرون على شيء البتة.

كما أنه يجب أن يكون المستغاث به حاضرا لا غائبا حضورا حقيقيا أو حكميا فالاتصال بالمهاتفة أو المراسلة حضور حكمي، أما الاستغاثة بالغائب ولو في المقدور عليه هذا من أبطل الباطل بل دعاء الأموات والغائبين ولو في المقدور عليه بسبب الاعتقاد فيهم أنهم أرباب أو آلهة وليسوا عبيدا لا يقدرون على شيء ولا يستطيعون شيئا ولا يملكون أي شيء إلا بإذن الله عز وجل .

كما يشترط في المستغاث به أن يكون قادرا على ذلك الفعل المقدور فلا يستغاث بالشخص في المسائل الطبية ولو كان مقدورا عليها من حيث الأصل إلا بالطبيب أو من هو في حكم الطبيب ممن يحسن ذلك.

والأمر الأخير في هذه المسألة هو أن لا يعتقد المرء في من استغاث به غلوا أو تعظيما أو غير ذلك من المخالفات الشرعية التي قد تكون شركا أكبر أو شركا أصغر أو كبيرة أو صغيرة أو خلاف الأولى حسب النوازل إنما يشكر الناس على حسن فعالهم ويعلم أن الأمر بيد الله ولا غالب إلا الله وأن مفاتيح الغيب بيد الله وأنه لا رازق إلا الله وأن كل من سوى الله عبد لا يقدر على شيء ولا يملك شيئا وأن الأمر كله لله وحده لا شريك له.

وعلى هذا المنوال أمر الرجاء والخشية والمحبة والخوف والنذر والطواف والاستعانة والاستعاذة والتوبة وغير ذلك من العبادات التي لا تصلح إلا لله ولا تليق إلا بالله.

فلا يكون العالم ربانيا إذا لم يجتنب الشرك ولم يتبرأ من أهل الشرك، إنما يفتح الله الفتح الأعظم على علماء التوحيد الذين تسمكوا بالحق المبين ولم يسلكوا طرائق المغضوب عليهم ولا سبل الضالين. ومن خلال ما سبق بيانه نفهم الآيات التي ذكرت الشرك في الربوبية كقوله تعالى:


ومن ذلك قوله تعالى:

فهذه الآيات وغيرها تتحدث عن الشرك في الربوبية وهو أمر منتشر بين الخليقة في كل زمان. كما أن الآيات التي تتحدث عن الشرك في الألوهية كثيرة جدا كقوله تعالى:

وهذا هو أول أمر إلهي في القرآن الكريم وفيه الأمر بعبادة الله وحده وأن لا يجعل مع الله الأنداد. ومن ذلك قول الله تعالى:

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.