الرئيسية / مقالات / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين / العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 06: الشرك في الأسماء والصفات

العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والمرسلين 06: الشرك في الأسماء والصفات

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.

موضوع اليوم: الشرك في الأسماء والصفات.

باب أسماء الله الحسنى وصفات الله العلا هو من مسائل الاعتقاد.

وقد بين القرآن الكريم والسنة المطهرة مسائل الأسماء والصفات بيانا شافيا، نقل ذلك الصحابة والتابعون نقلا أمينا وفهما سليما وفقها دقيقا لا تحتاج معه الأمة البتة إلى أي فكر دخيل أو فلسفة أجنبية.

فعجبا للمتكلمين والفلاسفة والباحثين في المسائل اللاهوتية والقضايا الاعتقادية من علماء ومفكرين عبر تاريخ هذه الأمة كيف يأخذون معنى لا إله إلا الله من اليونان أو الفلاسفة أو الرومان أو الفرس أو الهند أو من إسرائيليات أهل الكتاب وفينا كتاب الله وهو الحجة البالغة والبرهان الساطع.

لقد وقع جدل عظيم بين الناس عبر التاريخ في مسائل أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وكل أدلى بدلوه، وزاد الناس ونقصوا وغيروا وبدلوا وتأثر علماء أهل الكتاب بالفلاسفة واللاهوتيين تأثرا كبيرا، وقد نقلت هذه البلوى إلى أهل الإسلام وعلماءه ودعاته.

فكيف ينزل القرآن الكريم ويبعث الله النبي العظيم بأقدس عقيدة وأعظم دين ثم نحتاج إلى إسرائيليات اليهود والنصارى وفلسفات اليونان وخيالات المتكلمين وجهالات اللاهوتيين ليحكموا على كتاب الله المنزل وعلى الرسول المكرم أن هذا لإفك مبين وبهتان عظيم، فضلا على أن تقدم هذه الخزعبلات التي يسمونها حكمة اليونان على القرآن والسنة وسلف الأمة، وكأن هذا الدين دين أعرج يحتاج إلى المسيح الدجال أن يقومه أو إلى السامري أن يعدله.

فالشرك في الأسماء والصفات أن يعتقد العبد في الرب ما يناقض الربوبية من جميع الوجوه كما أخبرنا ربنا عن اليهود وغيرهم.

وقول الله تعالى:

فكل من وصف الله جل وعلا بما يناقض الربوبية والعظمة والوحدانية والجلال فقد أشرك بالله الشرك الأعظم وكفر بالباري الكفر الأكبر.

فوصف الله بأن يداه مغلولتين أو أنه فقير هذا ينافي الكمال والجمال والجلال الذي هو حقيقة الربوبية، وكذلك من وصف الله بالجهل أو الظلم أو النسيان أو ما إلى ذلك مما ينزه عنه الرب فهذا من الكفر البواح نوعا وعينا وكل من اعتقد ذلك فقد خرج من ملة الإسلام إلا أن يكون حديث عهد بكفر أو نشأ في بادية نائية أو كان في الأزمنة والأمكنة التي انطفأت فيها أنوار النبوة.

أما الأمر الذي اختلف فيه المعتزلة والمتكلمون مع أهل الحديث في مسائل الأسماء والصفات فهي ليست مما يناقض الربوبية مناقضة كاملة وإنما عطلوا بعض الصفات أو حرفوها وهذا لا شك في بطلانه ومخالفته للحق لكنه ليس من الكفر ولا من الشرك، وإذا ذكر بعض العلماء أن من قال القرآن مخلوق كفر أو من نفى رؤية الباري يوم القيامة في الجنة فقد كفر فمرادهم رحمة الله عليهم أن هذا القول كفر ولكن القائل لا يكفر بذلك إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه.

فالأسماء والصفات قد بينها القرآن بيانا شافيا وهو أي كتاب الله الفرقان بين الحق والباطل وهو الهدى والنور وهو الميزان وهو المهيمن على الكتب السابقة وهو الحافظ وهو الحكم الذي يرجع الخلق إليه في كل أمورهم الدينية والدنيوية.

فكيف بعقيدة لا إله إلا الله التي هي سر الأسرار ونور الأنوار وحقيقة الإخلاص وكلمة التقوى وهي البطاقة العظمى وهي مفتاح الجنة كيف نحتاج إلى معرفتها إلى الكفرة والفجرة والجهلة والفسقة وأهل الأهواء والبدع وأئمة الضلال والفتن.

وكيف يعلمنا النبي العظيم والرسول الكريم كل شيء في حياتنا حتى الاستنجاء والاستجمار والاستبراء ويسكت عن الحقيقة العظمى وهي لا إله إلا الله ويترك ذلك حتى يأتي خنافيس اليونان وجبابرة الرومان وطغاة الأحبار والرهبان لهداية الخلق.

وإن الطاغوت الذي كان طوفانا في باب الأسماء والصفات وعلوم العقائد ومباحث التوحيد هو كلمة العقل، واعتبر هؤلاء جميعا أن النص الديني هو مجرد نقل عظمه من عظمه ولم يلتفت إليه من أعمى الله بصيرته وضل عن السبيل، وذكروا أن العقل هو الميزان لفهم النقل وزادوا الطين بلة بأن جعلوا العقل اليوناني هو الميزان الأعظم.

والقرآن الكريم والسنة المطهرة وفهم سلف الأمة وعلم الأئمة الهداة المهتدين لا ينافي العقل ولا يضاد الفهم وإنما يرفض العقل اليوناني لأنه شرك وجهل وخيالات وأوهام وخاصة في باب الإلهيات.

فزعم القوم أن فهم سلف الأمة لمسائل الاعتقاد هو أسلم وعند الغلاة أن السلف أعراب بوالون على أعقابهم وأن الخلف من تلامذة اليونان ومن سلك مسلك الفلاسفة والمتكلمين هم أهل العقل والفهم والإدراك وهم الأعلم والأحكم وهذا كله من الضلالات الموروثة عمن تأثر في معرفة ربه الذي خلقه بإسرائيليات اليهود والنصارى وفلسفات الفرس واليونان، وكيف يترك العبد كتاب ربه وهو الحق المبين الذي عرف به نفسه وعرفه رسوله صلى الله عليه وسلم تعريفا واضحا وبيانا دقيقا ونلوي أعناق النصوص ليا لتوافق هذه الأوهام والجهالات والضلالات والعبث.

إن الإيمان بالأسماء والصفات على طريقة القرآن الكريم وسبيل السنة الصحيحة ومنهاج سلف الأمة وأئمتها الهداة المهتدين إيمان بالنصوص المنزلة وبالفهم الدقيق وبالعلم النافع وبالعقل السليم الذي لم يتأثر بالمؤثرات الخارجية إطلاقا وبقياس الأولى وبالاعتبار الصحيح والفطرة النقية، وليس إيمانا ساذجا لا عقل فيه ولا فهم، نعم لا عقل يوناني فيه ولا فهم الأحبار والرهبان ولا جدل المتكلمين ولا تعقيدات اللاهوتيين، إنما العقل الشرعي السليم الذي يضع الأشياء مواضعها ويفهم الأمور في أعماقها.

إن إشكالية العقل والنقل كما طرحها المتكلمون في الأزمنة الأخيرة، وذكرها العلمانيون على العقل والدين وأنهما أمران متناقضان فاستعمال العقل إقصاء للدين والتمسك بالدين طمس للعقل كل هذه اشكاليات باطلة لأنها تنبني على مقدمات فاسدة فأدت بذلك إلى نتائج باطلة.

فمراد المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة في إشكالية العقل والنقل أن كلا الفريقين رغم اختلافهما متفقان على تقديم العقل على النقل، فالعقل اليوناني عندهم هو الأصل المعتمد في مسائل الاعتقاد وأنه مقدم على النقل وإن صح النص بل ولو كان متواترا تلوى أعناق النصوص ليا لتوافق العقل اليوناني على اختلاف درجات ذلك بين المعتزلة والأشاعرة.

فهذه الإشكالية كغيرها من الإشكاليات التي أنتجتها أزمنة الجمود والتخلف، والصحيح في ذلك أنه لا تناقض بين العقل الصريح والنقل الصحيح، فالعقل الشرعي الذي ينبني على أسس سليمة يوافق موافقة تامة النصوص الصحيحة الثابتة، فافتراض التناقض افتراض وهمي وبالتالي فكل ما قاله العلمانيون عن الصراع بين الوحي والعقل إنما هو من خرافات العالم النصراني الذي حدث فيه الصراع بين الكنيسة المنحرفة عن الحق أي النقل غير الصحيح وكذلك الفكر الإلحادي وهو العقل الغير الصريح، فترتب على ذلك من المفاسد العظيمة التي تعيشها الحضارة الغربية بمتناقضاتها الكثيرة واضطراباتها العديدة.

ومن الاشكاليات الفاسدة التي عرفت زمن الجمود والانحطاط عند المتكلمين والفلاسفة قولهم هل الانسان مخير أم مسير؟

وإشكالية هل العمل شرط في صحة الإيمان أم العمل شرط في كمال الإيمان.

فالإنسان مخير هو قول المعتزلة، والإنسان مسير هو قول الأشاعرة، وكلاهما قول باطل، فالإنسان مخير باعتبار ومسير باعتبار.

والعمل شرط صحة للإيمان هو مذهب المعتزلة، والعمل شرط كمال للإيمان هو مذهب المرجئة والأشاعرة، وكلاهما باطل، فالعمل شرط صحة للإيمان باعتبار وشرط كمال باعتبار، ومذاهب المحدثين توسط واعتدال واتزان وفقه ولتفصيل هذه الأمور مواضع أخر.

إذا فالإيمان بأسماء الله وصفاته على طريقة أهل الحديث وبمنهج سلف الأمة من الصحابة والتابعين هو إيمان ينبني على العقل الشرعي والفهم السليم والفقه الدقيق والحكمة البالغة وليس إيمانا اعتباطيا عفويا كما يصوره عُبّاد العقل، فالمعتزلة وهم أقبح يصفون الصحابة أنهم كانوا أعرابا بوالين على أعقابهم، والأشاعرة وإن كانوا أكثر أدبا إلا أنهم وصفوا الصحابة باشتغالهم بالدعوة والجهاد وأنهم لم يتفرغوا لتحرير مسائل الاعتقاد، وهذه اقوال باطلة لأنها وليدة الفكر اليوناني والفلسفات الدخيلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع في سوق البحث العلمي الدقيق.

وسنذكر في دروس لاحقة مذهب السلف الصالح وأصولهم وقواعدهم في تحرير مسائل الاعتقاد وفي ضبط أمور الفقه وأنهم أئمة هداة مهتدون رضوان الله عليهم.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين وآله الطيبين وصحبه الغر الميامين.