الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 06 : السلفية والقبورية

السلفية 06 : السلفية والقبورية

مند أن خلق الله الخليقة وأنزل آدم إلى الارض والمعركة بين الحق والباطل قائمة، فلقد بعث الله الأنبياء بالتوحيد والإيمان والاستقامة فعاث الشياطين في الأرض فسادا ينشرون الشرك والكفر والوثنية والباطل، ومن أجل هذا خلق الله الخلق ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه فوق بعض وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة.الشورى 5

ولما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق المبين وجد الناس قد اجتالتهم الشياطين، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه “حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ وَاللَّفْظُ لِأَبِي غَسَّانَ وَابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا “حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: “أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً قَالَ اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ قَالَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ قَالَ وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوْ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ”.

وقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام بالحنيفية السمحة ملة إبراهيم حنيفا ولم يكن من المشركين فأعلا راية التوحيد وقضى على الشرك وعبادة الأصنام، إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل.

وروى الإمام مسلم عن عبد الله قال “دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد”.

وقد بعث النبي عليه الصلاة والسلام إلى كل بلاد الجزيرة العربية لهدم الأصنام وإزالة معالم الشرك، وفي صحيح مسلم قال علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي: “ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ” وفي رواية: “ولا صورة إلا طمستها”.

وهكذا عاش أصحاب النبي عليهم الصلاة والسلام ومن تبعهم بإحسان ومن سلك مسلكهم من أئمة الهدى وعلماء الإسلام بعيدين عن كل مظاهر الشرك والوثنية وتقديس المخلوقين، التقديس الذي لا يليق إلا بالله، وتعظيم العبيد بما لا يصلح إلا بالله، وبإجماع المسلمين أن القبور والمشاهد والمواسم ودعاء المخلوقين والاستغاثة بهم والاعتقاد الذي ينافي الربوبية والعبادة التي هي من خصائص الباري أنه لم يحصل شيء من ذلك في قرون الخير، ولم يعرف ذلك إلا بعد زمن السلف الصالح.

وأول فرقة دبت إليها القبورية هم الشيعة فهم الذين اعتقدوا في الأئمة أنهم يتصرفون في الكون وهذا شرك في الربوبية وبنوا عليهم المشاهد، وأقاموا لهم المواسم وصرفوا لهم من العبادات ما لا يليق إلا بالله وهذا شرك في الألوهية، والأئمة من أهل البيت من أحفاد النبي عليه الصلاة والسلام أهل توحيد واستقامة واهتداء بهدي جدهم الكريم صلى الله عليه وسلم، هم برآء من بدع أهل التشيع وشرك أصحاب الرفض.

وقد توسع الروافض في القبورية والخرافة والشعوذة والدجل واعتقدوا في المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، كما أنهم صرفوا للمشاهد والقبور والمواسم والأضرحة من الأعمال ما لا يصلح إلا لله وهذا شرك ينافي توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة وهذه وثنية تنافي ما جاء به الأنبياء والرسل وأنزل الله به الكتب.آل عمران 78-81

وسلك جهلة السنة مسلك الروافض في الأضرحة والمواسم والقبور والمشاهد وعظموا الأموات والغائبين والشيوخ التعظيم الذي لا يليق إلا بالله واعتقدوا فيهم ما لا يصلح إلا بالله وصرفوا لهم من العبادات الظاهرة والخفية مما هو من خصائص الالوهية.

وكان المنتسبون إلى التصوف والطرقية وغيرهم ممن أوغل في عبادة الشيوخ أحياء وأمواتا واعتقدوا فيهم أنهم يعلمون الغيب ما كان وما يكون وهذا لا يعلمه إلا الله.الأنعام 60النمل 67

ويعتقدون في شيوخهم أنهم يتصرفون في الكون فيما لا يقدر عليه إلا الله.سبأ 22-23النحل 17-21

وتأثر الجهلة من أهل السنة بالصوفية كما تأثر الصوفية بالشيعة وعمت القبورية وكثرت المواسم، ففي كل بلد أو قرية وفي المدائن والبوادي طواغيت تعبد من دون الله يعتقد فيها الناس من الاعتقادات الفاسدة ويصرفون من العبادات الباطلة ويعظمون القبور والمشاهد التعظيم الذي لا يليق إلا بالله وهذا هو الشرك الأكبر.النساء 115الحج 28-30

ولم يقتصر الأمر على الجهلة والعوام بل تسللت سموم الوثنية وجراتيم القبورية إلى المعاهد الكبرى كالأزهر وغيره من المؤسسات الدينية فقام علماء السوء وشيوخ الفساد بالتأصيل الفاسد للشرك وبحضور المواسم والمشاهد ومحاربة التوحيد والإخلاص…التوية 9

اتبعوا سنن اليهود والنصارى شبرا بشبر ودراعا بدراع فحرفوا الكلم عن مواضعه وبدلوا وغيروا وزادوا ونقصوا…النحل 107-109

ولما سقط في أيديهم أبوا إلا الاصرار فغلبتهم الحجة، فلجؤوا إلى مكر شيطاني خبيث وهو العذر بالجهل، فقالوا إن هذه الصور ليست شركا وإنما هي بدع فقط وما كان منها شرك فالناس معذورون بالجهل ولو كانوا من أهل العلم وصوروا هذه الأمة على أنها أمة جاهلة فاسدة مبتدعة معذورة بالجهل…

والقرآن الكريم والسنة الصحيحة والإجماع المتيقن أن هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس وأنهم شهداء الله في الأرض وأن الله جعلهم حجة على الخلق فكيف تكون هذه الأمة بالصورة التي وضعها القبوريون والخرافيون؟

صحيح أن العذر بالجهل يكون في البوادي النائية أو من كان حديث عهد بكفر أو في الأزمنة والأمكنة التي انطفأت فيها أنوار النبوة (أصحاب الفترات). كما أن العذر بالجهل والخطأ والتأويل والتقليد قد يكون في المسائل الخفية والتي هي أخفى. والعذر بالجهل يكون في الشخص الذي تعذر عليه التعلم، أما من كان يستطيع التعلم فلا عذر له، وجهله يحاسب عليه لتفريطه، ومن كان لا يستطيع التعلم فحرص ورغب وتمنى وَوَد أن لو تعلم فهذا يعذر، أما من استكبر وكان من أهل الإعراض ولا يبالي بشيء من العلم والتوحيد فهذا لا يعذر لإعراضه وإصراره واستكباره.

لكن الذين في قلوبهم مرض القبورية وفتنة الشرك وورثوا عبادة غير الله أبا عن جد وأشربوا في قلوبهم بغض التوحيد وأهله فهم يتترسون وراء العذر بالجهل لغرس الشرك ونصرة القبورية والاعتزاز بالباطل.لقمان 20البقرة 169

وقد ولج في هذا النفق المظلم العديد من الباحثين المعاصرين ورجالات الفكر وقادة الحركات المعاصرة وأساتذة الجامعات فزاغوا عن السبيل وأزاغوا أناسي كثيرا …

فلما عجزوا عن القضاء على التوحيد وانهزموا أمام فرسان السنة، لأن الحق أبلج والباطل لجلج، خرجوا إلى بنيات الطريق فراحوا يهاجمون ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب تاركين المعركة الحقيقية وهي مقارعة الحجة بالحجة والقضاء على الدليل بالدليل، فوصفوا أئمة التوحيد بأنهم خوارج وأنهم خالفوا الأمة وأنهم أفسدوا في الأرض وعملوا السلاح في الناس، وأنهم كانوا خونة يتعاملون مع اليهود والنصارى لضرب الإسلام والقضاء على المسلمين، بل وصفوا بعض الأئمة بالسكر والزنا واقتراف جميع الموبقات، وغرض هؤلاء المفسدين هو القضاء على التوحيد وهدم السنة وتثبيت ركائز الشرك وحماية القبورية ومنهم من غدا يعتز بأبائه وأجداده القبوريين الذين كانوا من غلاة أهل الشعوذة والخرافة ويصفهم بأنهم السلفيون حقا، وهم قبوريون وثنيون يعبدون غير الله، ويجاهرون بذلك ويؤصلون للشرك الأكبر بالروايات الضعيفة والأقوال الواهية والأخبار الساقطة…ال عمران 7

وقد حملت هذه الجهات وغيرها من المؤسسات في بلاد شتى حملات شعواء على التوحيد وأهله والسنة وأصحابها ووصفوا أهل الحق بكل الأوصاف الشنيعة ونعتهم بالنعوت القبيحة وأنهم خوارج كفَّروا الأمة جمعاء بغير حق، وأنهم حملوا السيف على الأمة قتلوها ظلما، وأنهم جهلة لا علم لهم بالدين ولا فقه بالشريعة، وأنهم عملاء المخابرات وأجهزة الاستكبار العالمي يصفونهم بأبشع صور الخيانة لله ولرسوله ولكتابه ولدينه ولأئمة المسلمين وعامتهم، واستعملوا كل أساليب الافتراء والكذب للصد عن سبيل الله ظلما وعدوانا وهم موقنون أن أهل الحق يسلكون الصراط المستقيم ….النمل 14الأنعام 34-35الأنبياء 18-24الإسراء 81-84

فلما أصبح للسلفية وزنها الثقيل وحجتها البينة وطريقتها المستنيرة وعلم الناس الحق من الباطل وانفضح الشرك وانكشفت الوثنية، أحست الوثنية وأهلها والقبورية وأصحابها بقوة المد الرباني للدعوة السلفية القائمة على التمسك بالتوحيد الخالص ولزوم السنة النبوية الطاهرة وأن الناس جميعا ينفرون من الباطل ويأبون الشرك، فكر أعداء التوحيد في أن يلعبوا لعبة جديدة لطمس الحق وإطفاء النور وقلب الأمور فأرادوا أن يختطفوا هذا العِلم الزكي الذي هو التوحيد، والراية النقية التي هي السنة، وليت مرادهم كان نصر التوحيد وخدمة السنة، لأن من تاب تاب الله عليه ومن أراد خدمة الحق بصدق بارك الله عمله وأبدل سيئاته حسنات، لكن للأسف الشديد أرادوا تلطيخ راية التوحيد بالشرك ومسخ علم السنة بالبدعة خدمة للقبورية ونصرة للطرقية وتمكينا للتعصب المذهبي وتثبيتا للشرك فسادا في الأرض وإعلانا للحرب على الله ورسوله.

السلفية مناقضة للقبورية عدوة للخرافة مبطلة للشرك حرب على الوثنية ناسفة للطُرقية، هادمة للبدعة، فاضحة لرؤوس الفتنة والضلال من أعداء الله ورسوله الذين أُشربوا في قلوبهم العجل.

فأقام هؤلاء المفسدون في الأرض الذين كانوا يحاربون السلفية حربا شعواء برامج في العديد من البلاد لابتلاع السلفية التي هي الحق في مستنقعات القبورية الآسنة التي هي شرك أكبر مخرج عن التوحيد …

فما هو توحيد الأسماء والصفات وما هو توحيد الربوبية وما هو توحيد الألوهية ؟؟؟ حتى يتبين الفرق الشاسع بين السلفية وبين القبورية…

وسنقوم بتوفيق الله ببيان هذا الأمر كما سنذكر موضوع السلفية والطرقية والسلفية والتعصب المذهبي حتى تنكشف مؤامرة الخلط والخبط والتلاعب والهوى ..البقرة 40-45

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سلك مسلكه واقتفى أثره نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حسبي الله نعم الوكيل
وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

كتبه عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين يوم الأحد الحادي والعشرون من رجب عام ست وثلاثين وأربعمئة وألف بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق 10 ماي 2015م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *