الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 07 : التوحيد والشرك والإيمان والكفر

السلفية 07 : التوحيد والشرك والإيمان والكفر

الرعد 17-18

لقد بعث الله الأنبياء جميعا بالتوحيد والبراءة من الشرك وأهله لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

فالشرك الأكبر طعن في الربوبية ونسف للألوهية وتعطيل للأسماء والصفات وهو مسخ للعبودية الصادقة التي لا تصلح إلا لله فيستوي الخالق والمخلوق في الحقوق والصفات وهذا قلب للأمور وهدم للحقائق وما عاد على الأصل بالبطلان فهو أبطل الباطل.المؤمنون 72

فاندحرت الأصنام وأبيدت المعبودات من دون الله وانقرض الطغاة والفراعنة الذين عبدوا من دون الله وأصبحت حقيقة الشرك منكشفة وراية التوحيد غدت عالية بنصرة الله لأنبيائه ورسله واكتملت ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فبلغ الأمانة على التمام وأدى الرسالة بالكمال فهو النبي الخاتم والرسول الأعظم …

ولقد تسلل إلى هذه الأمة الداء الذي فتك بالأمم السابقة فبدأت تظهر في الأمة رويدا رويدا بذور الشرك فعمت الأضرحة والمشاهد والمزارات والمواسم وأصبح الناس يعتقدون في المقبورين الضر والنفع والعطاء والمنع والرفع والوضع ويقدمون لهم من العبادات التي لا تصلح إلا لله ويستغيثون بالمخلوق الميت والغائب والحاضر في ما لا يقدر عليه إلا الله وهذا تعطيل لربوبية الباري وإعطاء المخلوق صفات العلي سبحانه وتعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا.

فظهر التعطيل والتحريف والتفويض في الأسماء والصفات بما يناقض جلال الرب وعظمة الخالق فكان معول أهل الكلام المتشبع بسموم الفلسفة فتنة عظيمة في باب التوحيد والصفات والعقائد والإلاهيات …

أما في توحيد الربوبية فقد اعتقد الناس في المخلوقين أن لهم قدرة في تدبير الكون وعلم الغيب وقضاء الحوائج التي لا يقدر عليها إلا الله وأن لبعض العبيد من القدرة الفائقة في التصرف في الكون وفي الناس وهذا لا يقدر عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل وهو وضع للمخلوق في مرتبة الخالق وتنقيص من شأن الرب ووضعه في مرتبة المخلوق وهذا هو الشرك الأكبر والمس بالربوبية والهجوم على عظمة الباري وخروج بالأشياء من الحق إلى الباطل وقد ترتب على هذا الاعتقاد الفاسد من الفتن العظيمة والجهل الفظيع ما لا يعلمه إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد يتلاعب المشركون والمنافقون فيسمون الأسماء بغير حقيقتها فيقولون هذه محبة للصالحين وتعظيم لأهل البيت الطيبين وتكريم للأنبياء والمرسلين وما إلى ذلك من خلط الحق بالباطل.

نعم للأنبياء والمرسلين مراتب عظيمة ودرجات رفيعة لكنها لا تخرج عن دائرة العبودية بل هي أشرف مقامات الأنبياء ومراتب المرسلين لأنهم حققوا العبودية على وجهها الأكمل فرفعهم الله إلى أعلى الدرجات في الدنيا والآخرة وهم أهل قدم الصدق فنالوا لسان الصدق فبوأهم الله مكان الصدق. آل عمران 78-79

فرسالات الأنبياء جميعا هي التوحيد الخالص لرب العالمين والبراءة من الشرك وأهله وذرة من شرك تهدم جبل التوحيد ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كفر. سبأ 22-23

وكل ما سوى الرب هو عبد مخلوق مربوب لا يستطيع شيئا ولا يقدر على شيء إلا بإذن الله أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون. النساء 28مريم 88-96

فقد اعتقد الروافض في الأئمة وغيرهم أن لهم تصرفا في الكون وتدبيرا في العوالم وأنهم يعلمون الغيب وأضفوا عليهم من صفات الربوبية ما لا يصلح إلا لله وحده في عقائد مظلمة وفهوم قاتمة نصروا فيها المجوسية على التوحيد والساسانية على الخلافة على منهاج النبوة.

وسلك جهلة أهل السنة من غلاة الصوفية وغيرهم هذا المسلك القبيح فاعتقدوا في شيوخهم هذه الصفات التي هي من خصائص الباري جل وعلا وقالوا أقوالا باطلة ونشروا مذاهب فاسدة تخالف النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وأدخلوا في الأمة علوم الأولين التي جاءت الرسالات وبعث الأنبياء لإبطالها لما تحمل من العقائد المظلمة والفلسفات الوهمية والإباحيات المدمرة والمبادئ الهدامة فيخفون وراء ثياب الصوف وأقوال الزهد ما يلبس الحق بالباطل ويمزج الظلام بالنور وإلى الله المشتكى.

فهؤلاء وغيرهم يعتقدون في المخلوق العبد الضعيف العاجز الذي لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء يعتقدون فيهم ما لا يقدر عليه إلا الله وما لا يعلمه إلا الله وهذا شرك في الربوبية والله المستعان. التوبة 31-34آل عمران 63

أما اقوام آخرون فيقولون نحن لا نعتقد في الصالحين ولا في الشيوخ ولا في الأنبياء ولا الملائكة أنهم يتصرفون في الكون أو أنهم أوتوا شيئا من خصائص الربوبية ولكننا نحبهم ونعظمهم ونتوسل بهم وكل تصرفاتنا نحوهم نابعة من هذا الحب وهو أمر مشروع ونزور قبورهم وزيارة القبور سنة وهيهات هيهات …الفتح 11

إن المحبة والتعظيم له حد شرعي يصلح بين العبد والعبد سواء كان والدا أو ولدا أو وليا صالحا أو ما إلى ذلك من العلاقات بين الخلق أما المحبة العظمى والتعظيم الأكبر الذي لا يصلح إلا لله فلا يجوز صرفه لغير الله وإلا كان شركا أكبر وكل ما كان من عظمة الربوبية أو خصائص الألوهية أو توحيد الأسماء والصفات فلا يجوز صرف شيء من ذلك البتة لغير الله وإلا وقع العبد في المحذور وهو الشرك الأكبر المخرج عن ملة التوحيد عياذا بالله. البقرة 164

فيدفعهم هذا الحب الشركي إلى أن يصرفوا إلى هذه الطواغيت التي تعبد من دون الله الذبائح والنذور والاستغاثات والدعاء وخوف السر الذي لا يجوز إلا في حق الله والرجاء الأكبر الذي لا يصلح إلا عبادة لله بل يصرفون كل ألوان العبادة من الطواف والتوبة والخشوع والرغبة والرهبة التي هي من خصائص الألوهية لهؤلاء المخلوقين الذين لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا وسيتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا.

وإنك إذا رأيت ضريحا أو أتيت موسما من مواسم الشرك في بلاد المسلمين وجدت الناس في عبادات عظيمة لا تصلح إلا لله، فهم في خضوع وخنوع وبكاء وخشوع وطمع ورجاء ويقين في هذا المقبور أنه يقضي الحوائج ويشفي المرضى ويعطي السائلين والمحتاجين ويحفظ الأموال ويصون الأغراض ويهب الأولاد وييسر الزواج ويحمي من العدو …. وما إلى ذلك من الجهل الفظيع والشرك الشنيع والفهم الساقط والعبث المريب الذي تتنزه الشريعة على الإتيان بمثله ومقام النبوة أشرف من أن ينسب له ذلك وأن أمة تعتقد هذه الاعتقادات الفاسدة وتتعبد بهذه العبادات الباطلة لهي أحقر شأنا من أن تكون خير أمة أخرجت للناس فكيف نأمل في أمة خرافية شركية تغرق في بحار البدع والأهواء أن تقود البشرية الحائرة والإنسانية الضائعة إلى بر الأمان وسعادة الدنيا والآخرة والنجاة من الخسران المبين وهذا ما جعل الحليم حيرانا والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. غافر 41-44فهؤلاء قد وقعوا في الشرك الأكبر المناقض للتوحيد الخالص وهل كانت العرب وغيرها من الأمم قبل البعثة إلا على هذا السبيل المعوج ؟؟؟
وإذا لم يكن ما يفعله عباد القبور عند طواغيتهم من الشرك الأكبر فما هو الشرك الأكبر إذا ؟؟ نبؤوني بعلم إن كنتم صادقين وبيننا وبين القوم كتاب الله. البقرة 111النجم 23المائدة 106

فقد دعاهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى التوحيد رغم أنهم كانوا يعظمون البيت ويؤدون الحج ويطعمون الحجيج ويقومون بأعمال عظيمة من البر فقد عد الإسلام ذلك من الباطل إذا لم يوحدوا رب العالمين. الفرقان 23الكهف 99-101النور 38

ثم نجد أقواما يقولون نحن لا نعتقد فيهم شيئا من خصائص الربوبية ولا نصرف لهم من حقائق الألوهية شيئا وإنما نتوسل بجاههم إلى الله لأن جاههم عند الله عظيم أو إننا نتبرك بآثارهم وأماكنهم مجرد التبرك فقط.

أما التوسل ففيه المشروع والممنوع، والممنوع فيه ما هو بدعي وما هو شركي وكذلك التبرك فيه ما هو حق وما هو باطل وهناك من التبرك ما هو بدعة ومنه ما هو شرك. البقرة 42

فالسلفية والقبورية أمران متناقضان، فخلط السلفية بالقبورية لبس للحق بالباطل وكتمان للحق لأن السلفية توحيد خالص لرب العالمين والقبورية شرك ووثنية وشعوذة ودجل ومجوسية وغضب من الله في الدنيا والآخرة. القلم 35-42الزمر 10

فإذا تقرر هذا وتبين أن الفرق بين السلفية والقبورية كالفرق بين موسى وفرعون والصديق وأبي جهل بل بين الحق الذي هو القرآن الكريم والباطل الذي هو الشيطان الرجيم.

ننتقل إلى مباحث أخر حتى لا يشتبه الأمر على أهل الغفلة ولا يستغل عباد القبور الكلام العام فيضعونه في غير موضعه. آل عمران 7

فهل علماء السلفية وأئمة الدعوة وفرسان التوحيد وحراس السنة يكفرون الناس بغير حق أو يحكمون على الخلق بالشرك الأكبر دونما بينة أم أن هناك طرائق علمية ووسائل شرعية للحكم بالتوحيد والشرك والإيمان والكفر.
إن علماء الأمة المخلصين يفرقون بين النوع والمعين …وبين إقامة الحجة وبين فهم الحجة …
ولا يحكمون على من نشأ في بادية نائية أو كان حديث عهد بكفر أو في الأزمنة والأمكنة التي انطفأت فيها أنوار النبوة (الفترات) …
ويفرقون بين الظاهر والأظهر والخفي والأخفى …
ولا يعذرون بالجهل ولا بالخطأ ولا بالتقليد ولا بالتأويل في الأمور الظاهرة، لكن يكون العذر في الأمور الخفية حتى تقام الحجة الرسالية بما يفهمها أضرابهم ويعيها أمثالهم، كما أن الأعجمي يترجم له التوحيد بما يعيه أشباهه فلا يكون الحكم بالشرك إلا بالحجة البينة ولا يعد المرء كافرا إلا بالدليل القطعي.

إذا فدعاة السلفية وأئمة التوحيد يلزمون الصراط المستقيم فيبينون التوحيد بيانا شافيا ويبطلون الشرك ويتبرؤون من أهله كما أنهم يتعاملون في الحكم على المعين بقواعد رصينة وأصول دقيقة، لكن عبدة القبور وسدنة الأضرحة يفترون على أهل الحق افتراء عظيما فيصفونهم بأنهم يكفرون المسلمين ويحكمون على الموحدين بزعمهم بالشرك، ولا يكفر أهل الحق المرء إذا أتى المشاهد وقصد الأضرحة ولو شد إلى ذلك الرحال إذا لم يعتقد في المخلوق ما لا يليق إلا بالله ولم يصرف إلى المخلوق من العبادات التي لا تصلح إلا لله ولم يصف المخلوق بالأوصاف التي هي من حق الله ولم يعظم المخلوق التعظيم الذي هو لله وحده.

فمن لم يفعل شيء من ذلك فهو ليس من أهل الشرك الأكبر فقد يكون مبتدعا وضالا مخالفا لجماعة المسلمين من الصحابة والتابعين لكنه لا يكفر حتى يتجاوز بالمخلوق حد العبودية.

فكل من يعتقد أن الرب رب والعبد عبد بالمعنى الصحيح فقد نجا من الشرك فليتق الله في الباقي من البدع والضلالات والفتن والمصائب التي هي باب من أبواب الشرك الأكبر وسد الذريعة ومنع الفتنة من المقاصد الشرعية المحمودة.

لكن أهل الشرك يخلطون التوسل المشروع والتبرك الصحيح بالتوسل المبتدع والتبرك المحرم ثم يلبسون الحق بالباطل فيمزجون هذا بالتوسل الشركي والتبرك الكفري ليشتبه الأمر على الخلق فتعظم الفتنة ويعم الفساد فإذا استحكم هذا المعنى الفاسد في عقول الناس قالوا لهم أن الذبح لغير الله ودعاء غير الله وما إلى ذلك من مظاهر الشرك الجلي والكفر الأكبر أنها مجرد توسلات وتبركات ومحبة للأولياء وشفاعة بالأنبياء وما إلى ذلك من الخلط العجيب والمزج المريب مع الافتراء والكذب والقول على الله بغير حق والاستدلال بالروايات المكذوبة والأخبار الساقطة والأساطير والأوهام ليضلوا الناس بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. المائدة 79النساء 170الأعراف 175-176الجمعة 5الطلاق 10-11البقرة 233البقرة 283

صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سلك مسلكه واقتفى أثره نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حسبي الله نعم الوكيل
وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

كتبه عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين يوم الاربعاء فاتح شعبان من عام ست وثلاثين وأربعمئة وألف بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق 20 ماي 2015م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *