الرئيسية / موضوع الانتخابات / التصويت في الانتخابات وفتوى الشيخ الألباني رحمه الله

التصويت في الانتخابات وفتوى الشيخ الألباني رحمه الله

انطلاقا من قول الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}المائدة 50

الأنعام 57

النساء 60-61

ففيما يتعلق بموضوع الانتخابات والديمقراطية فإن القرآن الكريم فيه الهدى والشرع والحكم والبيان، فلا يحتاج أهل الإيمان إلى طرائق اليونان ولا إلى مناهج الرومان، وكل ما سوى القرآن الكريم الذي هو كلام رب العالمين من أعمال المخلوقين يكون نقصا وعجزا وضعفا وجهلا، فلا نبغي بشريعة رب العالمين بديلا لأنها نور على نور وكيف نستبدل الذي هو أدنى من تشريعات المخلوقين بالذي هو خير وهو شريعة رب العالمين.

الذين يريدون أن يسلكوا سبيل الانتخابات من الذين ينتسبون إلى الدعوة إلى الإسلام والذين ينادون بالعمل الإسلامي هم أقسام عديدة.

القسم الأول: يرى أن القوانين الكونية والنظام العالمي والتشريعات البشرية مادامت تهدف إلى تحقيق العدل وتوفير الحقوق وخدمة المجتمع وهي عين الأهداف التي يقصدها القرآن الكريم إذا فَهُمَا سواء وهؤلاء كمن يجعلون عبادة الله شيئا واحدا سواء كان في المسجد أو الكنيسة أو بِيَعِ اليهود أو معابد المجوس كل ذلك سواء وهذا من أبطل الباطل فالشريعة منزلة منزهة مقدسة مباركة لا عوج فيها ولا أمتا، أما شرائع البشر فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وهذا كلام لا داعي للرد عليه لوضوح بطلانه ونصاعة قبحه.

القسم الثاني: وهو من يرى أن الديمقراطية كالشورى في الإسلام وأنها وإن كانت يونانية الأصل فقد نضفي عليها مسحة إسلامية ونؤصلها تأصيلا شرعيا وأن نحول هذا الطاغوت الكفري إلى مَعْلَمَةٍ شرعية إسلامية ولا مشاحة في الاصطلاح وأننا من خلال هذا المنفد سنحقق كل الأهداف الشرعية إلى درجة تطبيق الشريعة الإسلامية  وبالتالي فإن الترشيح والتصويت واجب شرعي إسلامي يأثم العبد بتعطيله ويحاسب إذا لم يحققه، وهذا كالذي قبله في الضلال فكأن الشريعة عاجزة عن تحقيق مصالح البشر فيكفي أن تكون ذيلا لقوانين البشر أو كأن الشريعة قاصرة عن القيام بواجبها في هذا الزمان فتكتفي بأن تلقي بعض المساحيق على قوانين البشر حتى تظهر كأنها إسلامية، وكل هذا محرم في شرع الإسلام لأنه يُحَوِّل الأمة إلى ذلة بدل العزة وضعف عوض القوة ونقص مكان الكمال.

القسم الثالث: وهو من يرى أن يفرق بين الديمقراطية كفلسفة يونانية وثنية وأن نأخد بآليتها وأعمالها الإجرائية كوسائل نستغلها لخدمة الحق، والوسائل لا تنفك عن غاياتها، والآلية قطعة من الأصل لا يفارقه البتة، فقد حاول العديد من الناس عبر التاريخ أن يأخذوا آليات لخدمة الإسلام فضلوا وأضلوا، حاول المتكلمون أن يأخدوا آلية الفلسفة بعيدا عن الفلسفة زعموا بهدف إسقاط الفلسفة ذكروا لكنهم سرعان ما سقطوا في هُوَّة الفلسفة العميقة فلا الإسلام نصروا ولا الكفر هزموا ولا الفلسفة حطموا، وكذلك أخذ الصوفية بآليات الغنوصية والإشراقية لاستخراج مناهج للتربية فما ازدادوا إلا غلوا في البدع وتنطعا في الضلال، كذلك أخذ الحزبيون والحركيون الآلية العلمانية في مناهج الدعوة وطرائق العمل فأصبحوا علمانيين فكرا وتأصيلا ومنهجا وسلوكا.

أوليس في القرآن الكريم والسنة النبوية المناهج والطرائق والوسائل والأساليب في الاعتقاد والتربية والدعوة حتى نحتاج إلى الاستيراد من أقوام هم أعوج البشر مناهج وأفسد الخلق طرائق وأفشل الناس وسائل وقد قال الله تعالى:الحج 46

القسم الرابع: وهو قسم يقول إنه يدخل الانتخابات ترشيحا وتصويتا من باب الضرورة والحاجة والمصلحة وأننا لم نجد طريقا ولم نهتدي سبيلا لتحقيق أهدافنا ولا للتواصل مع أمتنا وقد أغلقت دوننا الأبواب وأوصودت كل الطرق وحوصرنا من كل الجوانب وليس أمامنا إلا هذه الطريق التي نعلم علم اليقين أنها ليست طريقة شرعية وأن فيها من المخاطر الرهيبة والمخاوف الشديدة ما هو بَيِّنٌ لكل ناظر وواضح لكل متابع لكنها الضرورة القصوى والحاجة الشديدة والمصلحة الراجحة، وهذا الكلام ليس كلام أهل السياسة حتى يدبروه ولا حديث الطرشان حتى يفتوا فيه، فالضرورة تقدر بقدرها والحاجة تنزل منزلة الضرورة، وهذه قضايا استثنائية يضيق فيها المجال أما كلام هؤلاء فهو عن تأصيل عام وتقعيد شامل فتصبح صورة دائمة مستمرة، ولا علاقة لكلامهم البتة بالضرورة والحاجة والمصلحة، وإن كنا لا ننكر شيئا من ذلك إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه في قضايا استثنائية جزئية ضيقة لا في أصل عام ولا قاعدة مطَّردة.

القسم الخامس: وهم من يقومون بالدعايات والبيانات والإشهار للتصويت على الأصلح وللإعلان على أن الانتخابات النزيهة والشفافيات الرفيعة قد يُختار من خلالها الأصلح، وهذا كلام في الأذهان لا في الأعيان وخيالات لا علاقة لها بالواقع المرير كما أنه لا يجوز هذا الإشهار ولا هذه الدعايات في مسألة هي من أصلها مخالفة للشرع ومباينة للوحي، وقد يقوم هذا القسم بنفس الدعايات والإشهارات والبيانات والإعلانات إزاء دساتير وضعها البشر مخالفة لشريعة رب العالمين بدعوى أن فيها قضايا جزئية تحقق مصالح عظيمة وتدفع مفاسد كبيرة، وفي هذا الكلام من الخلط العجيب والتناقض الفظيع والمصادمة الصريحة للنصوص الشرعية والمباينة الساطعة للواقع المرير.

القسم السادس: وهو من يرى أن شريعة رب العالمين هي الشريعة الخاتمة الكاملة الجامعة الناسخة المحفوظة التي تتنافى مع كل القوانين الكونية والعولمة البشرية، كما أنهم يؤمنون إيمانا جازما أن ديمقراطية اليونان تناقض نصوص القرآن وتنافي وحي الرحمن وأنها وثنية المصدر وشركية المنهج، ويؤكدون على أن الآلية جزء لا يتجزأ من الديمقراطية والإجرائية قطعة لا تنفك عن الأصل الأم وهي الديمقراطية، ويحتجون على أهل الضرورة والحاجة والمصلحة على أنه لا يجوز أن يفتي في ذلك إلا الراسخون في العلم وأنه لا يوجد ما يؤكد شيئا من ذلك في بلاد المسلمين أما ما يعيشه المسلمون في بلاد الكفار فللعديد من الأئمة والعلماء فتاوى في شيء من ذلك وللشيخ الإمام العثيمين رحمه الله رحمة واسعة كلاما بينا عن المسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفار، أما أصحاب البيانات والإشهارات فذلك من التعاون على الإثم والعدوان لا على البر والإحسان.

والموقف الشرعي الذي أفتى به شيخ السنة وإمام أهل الحديث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي أبطل الديمقراطية والانتخابات في أشرطة عديدة وفتاوى كثيرة وأنه حرم الترشيح وأباح التصويت فمراد الشيخ رحمه الله ونحن نقتدي به ونتابعه في ذلك أن المرء إذا أراد أن يصوت على شخص فلا بأس بذلك ومعنى هذا الكلام أن المسألة بسيطة وليست مركبة وجزئية ليست كلية فلا إشهار ولا دعاية ولا مؤتمرات ولا ملتقيات ولا محاضرات ولا ندوات ولا صور ولا انشغالات ولا تحالفات ولا جعجعة إنما هو أمر بسيط، وبه نقول فمن أراد أن يصوت على من يحسن الظن به فلا بأس بذلك ومن ترك ذلك فلا شيء عليه فضلا أن يكون واجبا شرعيا أو أن نلزم الناس بحزب معين أو طائفة محددة أو شعار معروف فكل هذا من الاندماج في الفتن الكبرى والتعاون على الإثم والعدوان والرضا بالمناهج المظلمة وهجران طريقة القرآن فهذا مراد الشيخ رحمه الله رحمة واسعة وقد سمعت مئات الأشرطة السمعية وكان العديد منها عن الانتخابات وقد بين بطلانها شرعا وفسادها كونا، لكن أهل الأهواء وأصحاب المصالح ينتزعون الكلمة عن سياقها ويحرفونها عن وجهتها فيصبح كلام الرجل كأنه يوافق على الترشيح والتصويت بالشكل المعقد المركب الكلي وأنه يوافق على الانتخابات والتحالفات والغرف والتلاعبات والمراوغات التي يعيشها أهل الديمقراطية والآلية والضرورة والإشهارات، وشيخ الأمة بريء كل البراء من هذه الأقاويل الباطلة.

وكذلك الشيخ العلامة والفقيه الفهامة الشيخ عبد العزيز ابن باز فقد كتب رسالة مطولة ينصح فيها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله ورعاه وبارك فيه يدعوه فيها أن يجتنب هذه الطريقة التي كان رائدا فيها في العمل السياسي والانتخابات بالكويت وأجاب الشيخ بالموافقة ثم عاد بعد ذلك لطريقته، وشيخنا أبو اسحاق الحويني الإمام العلم حسن الظن بعبد الرحمن عبد الخالق فحفظ الله الجميع وبارك في الأحياء ورحم الله الأموات.

فكلام الشيخ عبد العزيز ابن باز وكلام الشيخ العثيمين وهما من أهل العلم والاجتهاد في هذا الزمان وفتاواهم الشرعية هم فيها بين الأجر والأجرين ولعلهم فيما ذكروه في موضوع الانتخابات قد يكون هو الصواب الذي يحتمل الخطـأ وقد يكون قولنا خطأ يحتمل الصواب لكن إضافة إلى رسالة الشيخ عبد العزيز إلى عبد الرحمن عبد الخالق وقد قرأتها وقرأت موافقة الشيخ عبد الخالق وكل هذا موجود متيسر أضيف أني كنت يوما في حلقة الشيخ الإمام العلم عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه بقية السلف الذي ينصح بالحق علانية في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فنحبه كثيرا لأنه عالم بالحديث وفقيه في السنة وأمَّار بالمعروف ونهَّاء عن المنكر، فقد تكلم في دروس عديدة عن الانتخابات وجوَّز بعض ذلك بشروط وقيود فلما سئل في نهاية الدرس عن المجتمعات التي لا تحكم بالشريعة وأن نظمها علمانية قال لا يجوز شيء من ذلك البتة في هذه المجتمعات فأظن والله أعلم أن هذا هو مراد الشيخين المباركين وإلا فالحق أحق أن يتبع وكل راد ومردود عليه والوحي هو المعصوم ورحم الله علماءنا الأبرار وفقهاءنا الأخيار ورفع الله درجاتهم في الجنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وفي الختام كل هذه الأقسام التي سبق ذكرها تخالف الدليل الحق والحجة البينة وفتوى الشيخ الألباني وليس هناك إلا تصويت بارد لمستحقه لا التزام الأمة كلها بحزب ولا “نُطَبِّلُ” ولا “نُزَمِّرُ” لهذه الانتخابات ولا نعتقد أنها على سبيل الضرورة ولا أنها الحل الوحيد فالحلول كثيرة والسبل عديدة وما كان الله ليذر المؤمنين في ضلالات عمياء ولا في صحاري قاحلة وهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.

ومن ملأ قلبه بتعظيم الشريعة المنزلة وحرص كل الحرص على تطبيقها كما أمر الله ورسوله لا كما تريد العولمة والصهينة زالت من قلبه كل الحلول المزعومة والمناهج الموهومة ورأى الحق ناصعا كالنور وشم الروائح القذرة لكل ما يخالف الشرع.

الشريعةَ الشريعةَ…
الوحيَ الوحيَ…
القرآنَ القرآنَ…
النبيَ النبيَ…
وأنا النذير العُريان…

اللهم احفظ هذه الأمة من الذوبان وارفع راية القرآن وانصر سنة النبي العدنان وبارك جهود أهل العلم والعرفان واطمس أهل الأصنام والصلبان يا رحيم يا رحمان.

ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله الأطهار وصحبه الأخيار.

أخوكم المحب عبدالحميد أبوالنعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين

ليلة السادس من ذي القعدة عام سبع وثلاثين وأربع مئة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الموافق 9 غشت 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *