الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية وأصحاب الحديث وابن تيمية والوهابية / السلفية وأصحاب الحديث وابن تيمية والوهابية 01

السلفية وأصحاب الحديث وابن تيمية والوهابية 01

انطلاقا من قول الله تعالى:{هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}الأنعام 153الأنعام 55هود 89الأنعام 152

والسبب في طرح هذا الموضوع هو السياسة الصهيونية العالمية في تزوير المعاني وتشويه المصطلحات وقلب الحقائق وفتنة العقول، فوجب البيان إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل لأنه إذا تم مراد أعداء الله كان هذا الفساد العريض تحريفا لكتاب الله وطمسا لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومسخا للشريعة وسلخا للقيم الربانية وسحقا للتاريخ المجيد وتشويها لرجالات هذه الأمة العظماء.

فموضوع السلفية مثلا كان في غاية الوضوح والبيان ولا يزال بتوفيق الله ومعونته وتيسيره، لكن في هذه الحرب الحضارية التي من أهدافها حرب القيم فهم يهدفون إلى قلب الحقائق وطمس المعالم، ومن ذلك أن تغدو المصطلحات مقلوبة ويهدفون من هذا الضباب في عالم الفكر والغيوم في دنيا المعرفة أن  تطمس الهوية الإسلامية وتمسخ الخصائص الإيمانية فلا تجد الأمة تفسيرا صحيحا ولا فهما سليما ولا وعيا رفيعا، فيقع الهَرْجُ الفكري والفتنة العلمية فيعم البلاء وتسود الفتنة فلا يُعرف معروف ولا ينكر منكر فيُخوَّن الأمين ويُؤمَّن الخائن وتنطق الرويبضة إن هذا لهو البلاء المبين، وقد فعل ذلك المستشرقون منذ قرون فأحبط علماء الإسلام مخططاتهم بالردود العلمية والكتابات القيمة فباءت جهودهم بالفشل الذريع لكنهم أعادوا الكرة فسيهزم الجمع ويولون الدبر.

فمصطلح السلفية يريدون قلب معانيه حتى تختلط الأمور اختلاطا شديدا بل يريدون تغيير المعاني وتبديل المباني حتى يختلط الحابل بالنابل ويغدوا الحليم حيرانا، فيسمى الولاء والبراء تنطعا والحلال والحرام تشددا والجهاد إرهابا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنة والتزام أحكام الشرع عدوانا والإباحية تحضرا والاستقامة تخلفا والحياء رجعية والدياثة تقدما وهكذا دواليك فلا يعرف الناس الظلمة من النور ولا الحق من الباطل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإذا لم يقف أهل الحق وقفة صادقة بالحجج والبراهين والأدلة والبينات والعمل الدؤوب لحصل من الفساد ما لا يخطر على قلب بشر والله المستعان.

فهذه السياسة الصهيونية العالمية ينفدها المنافقون والمرجفون والذين في قلوبهم مرض، واستغل ذلك الحاقدون من المرتدين والعلمانيين والحداثيين ورؤوس الفتنة، وسقط في الفخ باحثون وعلماء من أهل الصدق والعدالة ولهم باع في الفقه والفهم وإن كانوا على خلاف مع بعض مشايخ الحديث وعلماء السلفية وهذا لا يمنعنا أن نشهد شهادة الحق لأن الخلاف في القضايا العلمية مع من هم من أهل العلم والفقه والصدق والأمانة يجب أن لا يكون سببا في الفتنة والفساد إلا من كان يبغض الحديث وأهله ويحارب السنة وأصحابها ويقول على الله بغير حق أو من أقيمت عليه الحجة الرسالية فيأبى إلا التعصب والتقليد فهؤلاء ليسوا من أهل العلم وإن كثرت محفوظاتهم وتنوعت مطالعاتهم فليسوا في العير ولا في النفير، كما انجرف في هذا التيار جمع من العوام والهوام والمفتونين وأهل الفضول، وارتاب الكثير من المخلصين وحار العديد من الصادقين.البقرة 213

فمصطلح السلفية واضح كل الوضوح لكنه لما أصبح عملة نفيسة وغدا وزنه ثقيلا خاف أساطين العولمة وكبراء المؤسسات العملاقة منه لأنه الحق المبين ومن آثاره العظيمة التي هي إصلاح الدنيا من فسادهم وتطهير البلاد من أدرانهم وتحرير العباد من قهرهم والفوز في الآخرة برحمة الله وجوده وسعة كرمه، فقرر أعداء الإسلام أن يمسخوه مسخا ويُحَرِّفوه تحريفا ويُبَدِّلوه تبديلا وساعدهم على ذلك الخونة من المرتدين وآزرهم في مخططاتهم المنافقون ووقع في شباكهم العديد من المفتونين فوجب البيان تعليما للجاهلين وإرشادا للحائرين وإقناعا للمفتونين وإقامة للحجة على المفسدين وقمعا لأساطين الكافرين بالحجة الشرعية والدليل الإيماني.

فالمهرجان حول السلفية الذي أقامه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب وهو معروف بعدائه الشديد للسلفية وأصحاب الحديث وابن تيمية والوهابية، ودعا إلى هذا المهرجان جمعا من غلاة الصوفية الطرقيين ومتعصبة المذهب والكثير من المفكرين والمتعصبين وبعض المتلاعبين وكلهم من المعادين للسلفية ولهم تاريخ مرير في محاربة شيخنا الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الحسيني رحمه الله وغيره من دعاة السنة ولهم جهود في مناصرة البدع والخرافات والقبورية والأشعرية والطرقية ولم يغضبوا يوما لله ورسوله ونصرة دينه بل لا يحسنون إلا الهجوم على أهل الحق والطعن في دعاة التوحيد، كما أنه كان في هذا المهرجان بعض مشايخ السلفية الذين كان نصيبهم الحضور فقط أو أرادوا إحراجهم أو الضغط عليهم حتى يظهروا للناس كذبا وزورا أن هؤلاء الدعاة والمشايخ السلفيين هم على طريقتهم المظلمة ويا ليت هؤلاء الدعاة والعلماء ما حضروا دار الندوة ولا شهدوا المؤامرة المظلمة يغفر الله لنا ولهم وهم على كل حال برآء من هذه المجزرة الخفية التي يراد بها إقبار الحق ورفع راية الباطل، أما الذين نظموا هذا المهرجان فأرادوا أن يقدموا للناس أن السلفية هي القبورية والأضرحة والشعوذة والأشعرية والتصوف الخرافي والتعصب المذهبي، وأن السلفية الحق وهابية وداعشية وإرهاب وقول باطل مخالف للسلف وأنهم أعداء الإسلام وما إلى ذلك من الزور والبهتان، قال الله تعالى:محمد 29

ولا سيما وهؤلاء المبتدعة معروفون بحربهم الضَّروس على السلفية والسلفيين ويتعصبون لما عليه المتأخرون ويخالفون الأدلة الصريحة للكتاب والسنة الصحيحة، ولكن لما اقتضت المصلحة المزعومة وهي مفسدة في الدين والدنيا بأن تظاهروا بالذب عن السلفية الموهومة التي هي البدع الغليظة والأهواء المظلمة، قال الله تعالى:البقرة 253

كما أن العديدين من الكُتَّاب المعاصرين والمؤلفين المُحْدَثِين بدؤوا يفسرون كلمة السلفية تفسيرا مقلوبا بل قد ألَّفَ أحد المعاصرين كتابا سماه “ابن تيمية ليس سلفيا” وهذه قمة الافتراءات على شيخ الإسلام وعالم الأمة وإمام أصحاب الحديث في زمانه، فيا سبحان الله إذا لم يكن هذا الإمام الهمام سلفيا فمن السلفي؟؟؟ هل عُبَّاد القبور؟ أم أصحاب الزوايا؟ أم متعصبة المذاهب؟ أم أهل المناصب؟ ولكن صدق الرسول الكريم حيث يقول “إنَّ ممَّا أدرَك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ: إذا لم تَسْتَحْيِ فاصنَعْ ما شِئْتَ” (“صحيح البخاري” رقم 3484).

إن السلفية هي فهم الكتاب والسنة بطريقة الصحابة والتابعين والأئمة المهتدين والفقهاء المجتهدين، مخالفين لكل الأفهام التي عليها الفِرَق والنِّحَل، فيقوم بعض المفكرين المعاصرين فيقولون السلفية بدأت في الأيام الأخيرة للخلافة العثمانية فيذكرون جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده على أنهم رواد السلفية وبعضهم يقول هي جماعات وطوائف ومدارس معاصرة متناقضة مضطربة وهذا من الكذب البين، فكم لعلماء السلفية من انتقادات علمية وملاحظات دقيقة تبين انحراف جمال الدين وغلط محمد عبده، كما أن ما يعيشه الناس في العصر الحديث من اختلاف في وجهات النظر عند الكثيرين ممن ينتسبون إلى السلفية فهذا موجود عندهم وعند غيرهم بصورة أشد، كما أن هؤلاء فرع والصحابة والتابعون أصل والعبرة بالأصل لا بالفرع، فهل يَعِي هؤلاء الناس هذا الأمر وهو بيِّن أم يقصدون مسخ الحقائق وطمس الخصائص وذلك الظن بمرضى القلوب والمرجفين وأصحاب الأهواء وأرباب البدع.

إذاً السلفية هي منهاج يراد به التزام الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين وهو محفوظ في مصادر الأمة المعتمدة موجود في مراجعها المعتبرة موروث جيلا بعد جيل عند أصحاب الحديث وفقهاء الآثار وعند أهل العمل بالدليل ممن سلكوا مسلك النبي صلى الله عليه وسلم ونهجوا نهجه واتبعوا طريقته ونشروا سنته وهم أهل النصرة للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحاب القدوة والتأسِّي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

والسلفية ليست مرحلة زمنية مباركة فقط كما يزعم العديدون فيُصَوِّر الصحابة والتابعين على أنهم دراويش في العبادات، ومجاهدون في ساحات الوغى وليست لديهم رؤية ولا طريقة ولا قيم حضارية ولا أسس لبناء أمة، ولم يدرك هؤلاء الناس سواء كانوا صادقين فاتهم معرفة الحق أو كانوا يبغضون أصحاب الحديث فحرفوا الحق تحريفا، لم يدرك هؤلاء جميعا  أن سلفية الصحابة والتابعين منهاج ورسالة وقيم وحضارة وحكمة ودراية وعلم وفقه وخلافة على منهاج النبوة وتمسك بالدليل ووقوف عند الحق بل هي الدنيا والآخرة وهي سعادة الدارين وهي البدن والروح وهي الخير كل الخير لمن آمن وعمل صالحا ثم اهتدى، أما من اعتادوا الزوايا والتكايا والأضرحة والمشاهد يقبلون ذا الجدارا وذا الجدارا فهم يعتبرون هذه الأماكن النجسة بالشرك مشاهد مباركة ومواسم معظمة أرادوا أن يحشروا السلفية بهذا الفهم السقيم، وهذا من أبطل الباطل ولقد كان أشياخهم وكبارهم منذ قرون في غاية الإنصاف لما أعلنوا الحرب على السلفية وعلى أًصحاب الحديث وقالوا عن الصحابة الكرام إنهم لا علم لهم بأًصول التوحيد ولا بقواعد الإيمان فقد شغلهم الجهاد عن تعلم سفاهات المتكلمين وجهالات المتفلسفين فمذهبهم أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم وهذا كلام فاسد من عدة وجوه يأتي بيانها في مواضعها، أما المعتزلة فقد صرحوا أن الصحابة أعراب بوالون على أعقابهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم لا بالعلم عُرِفُوا ولا بالأدب تمسكوا ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما أن مشايخ وأساتذة هؤلاء الكذابين الأفاكين كانوا يبغضون أئمة الحديث وفقهاء الآثار ويسمونهم الحشوية وزوامل الأسفار أي يحملون ما لا يفهمون، فكانوا صرحاء في حربهم مع السلفية وأصحاب الحديث وإن كان كلامهم من أبطل الباطل إلا أنهم كانوا صرحاء في مواقفهم متوازنون في أحكامهم بخلاف هؤلاء الذين جمعوا بين الجوع والمين قاصدين بذلك التحريف والتزوير ظنا منهم أن الله عز وجل لا يعلم أسرارهم ولن يكشف أحوالهم، أما الصحابة والتابعون فهم فقهاء نحارير وعلماء أفذاذ وربانيون مخلصون وهم أئمة اللغة والبيان وهم أعرف بالتوحيد من أفراخ اليونان وهم أعمق في الإيمان من أصحاب الجهالات من أهل الكلام، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل فالسلفية مرحلة زمنية مباركة ومنهاج دقيق ورسالة ربانية وعلم غزير وفقه سليم واعتقاد راسخ وإيمان صادق جمعت خيري الدنيا والآخرة إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

أما مصطلح أصحاب الحديث فهو مرادف لمصطلح السلفية هما شيء واحد، فأصحاب الحديث منذ القرن الأول ورثوا علم الصحابة وأئمة التابعين وعقيدتهم هي عقيدة السلف الصالح ومنهجهم هو ما كان عليه الصحابة والتابعون ومذهبهم العمل بالدليل من الكتاب والسنة ولا يُعَوِّلُون على أقوال الرجال العارية عن الحجة مهما علا كعب هؤلاء الرجال، فأراد هؤلاء الكذَّابُون الأفَّاكُون أن يمسخوا هذا المصطلح المبارك مصطلح الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فوصفوهم بالتعطيل والتحريف وأنهم على مذهب أبي الحسن الأشعري الذي جاء متأخرا عن قوافل النور من أئمة الحديث، ومن المقطوع به أن إمام المحدثين أحمد ابن حنبل يخالف مخالفة جوهرية المتكلمين من متأخري الأشاعرة، فهل كان أحمد ابن حنبل وجماعة المحدثين في زمانه وأئمة الرواية قبله على مذاهب فراخ المعتزلة وجهالات المتكلمين وقد كتب الأئمة في ذلك المطولات فإن عاند هؤلاء الكذابون الأفاكون ذكرنا لهم كتب المحدثين في التوحيد وهي طريقة سلف الأمة وأئمتها، ومن لا يستطيع الغوص فليأخد كتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري أو كتاب خلق أفعال العباد تجد البون الشاسع بين أصحاب الحديث والمبتدعة من أهل الكلام.

وأبو الحسن الأشعري رحمه الله كان على مذهب المعتزلة لأنه رَبِيبٌ لأبي علي الجُبائي وهو إمام من أئمة المعتزلة كما كان ابنه أبو هاشم الجبائي من أئمتهم وكل من الوالد والولد تنتمي إليه فرقة من فرق المعتزلة، فتاب الله توبة عظيمة على هذا الإمام المبارك وكتب كتاب الإبانة في أصول الديانة يُصرح فيه أنه على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل وذكر عقيدته مفصلة بأدلة الكتاب والسنة وهي عقيدة المحدثين، لكن المنافقين ومرضى القلوب والكذَّابين والأفَّاكين يقولون هذه العبارات في أنه على مذهب الإمام أحمد مكذوبة في الكتاب وليست صحيحة كما أنهم يُشَكّكون أو يُكذبون في كل ما يدل على أن الأشعري كان على طريقة المحدثين مع أنه يصرح في كتاب مذاهب الإسلاميين واختلاف المصلين بعد أن ذكر الفرق كلها وأقوالها وأصولها مما يدل على إمامته العظيمة واطلاعه الواسع ومعرفته الدقيقة بهذه الفرق وفروعها ومبادئها إلا أنه لما ذكر أهل الحديث وبين أصولهم وقواعدهم بيانا صحيحا ختم بقولة مباركة نسأل الله أن يختم له بالحسنى قال هذا مذهب أهل الحديث وبه نقول، فَهَلاَّ ذكر الكذَّابون والأفَّاكون أن قوله وبه نقول زيادة مكذوبة وقول منحول وعبارة موضوعة لم يقلها الإمام الأشعري، أما علم هؤلاء أننا سنقف جميعا بين يدي الله، وعند الله تجتمع الخصوم، والله الموعد، إن كانت في القلوب بقية والله المستعان.

ولا شك أن الأشعري تأثر بابن كُلَّابْ وهو من متكلمي أهل  السنة إلا أنه قد وقع له اضطراب في مسألة كلام الله وقال أبو الحسن الأشعري في مسائل الإيمان قولين، قولا وافق به أهل الحديث وقولا وافق به الصَّالِحِيَّ من أهل الارجاء فتمسك المتأخرون في الموضوعين لما يخالف أهل الحديث وهذا دأب المتأخرين لا بطريقة السلف تمسكوا ولا لمنهج أبي الحسن الأشعري التزموا.

والصحيح أن الأشاعرة المتقدمين كانوا يفتخرون على المعتزلة بانتسابهم إلى أهل الحديث، فالأصل هم أئمة الحديث ورغم ما كان من خلاف إلا أنهم كانوا جماعة واحدة في حربهم على الاعتزال والتفلسف والمدارس العقلية الملطخة بسموم اليونان حتى جاء ابن القشيري فوقعت بين المحدثين والأشاعرة فتنة عظيمة في بغداد افترقوا على إثر ذلك افتراقا بينا ازداد مع الزمن شدة وكل يحمل الطرف الآخر مسؤولية مخالفة السنة، وقصة ابن القشيري توجد مفصلة في ذيل طبقات الحنابلة.

إذًا يستحيل وصف أصحاب الحديث بأنهم كانوا على مذهب أبي الحسن الأشعري بل العكس هو الصحيح فما يفعله الكذابون الأفاكون يخالف مخالفة قطعية التاريخ والواقع والحقيقة إلا عند أقوام قالوا “طارت ولو معزة” وبعد الإمام أحمد ابن حنبل كان كل الخلفاء العباسيين يشهدون بصحة عقيدة أصحاب الحديث فكان الخليفة إذا تولى تُقرأ بين يديه يوم ولايته عقيدة الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله عليه  إقرارا من الخليفة أن هذه هي عقيدة أهل الحق كما هو مذكور في قصة ابن القشيري.

والمذهب الأشعري قد عرف تطورات هائلة يشهد بذلك أئمة المذهب الأشعري وأُلفت كتب تحمل عنوان تطور المذهب الأشعري قدم لبعضها وزير الأوقاف فيقوم الكذابون الأفاكون معلنين إنكار التطور في المذهب الأشعري وأنه لا زال على نبعه الأصيل منذ زمن أبي الحسن الأشعري وغرضهم من هذا الإفك المبين أن لا تنفضح التناقضات الشنيعة داخل المذهب وأن لا تُكشف العيوب الفظيعة عند الأشاعرة، وهل يحسب هؤلاء الكذابون أن الناس لا علم لهم ولا دراية ولا اطلاع ولا بحث حتى تكون أكاذيبهم بهذه الصورة الشنيعة، فكيف يحسب هؤلاء على العلم وأهله وكيف يؤتمن هؤلاء على الشريعة بل لماذا تعطى لهؤلاء مناصب دينية كبيرة وهم كذابون أفاكون.

فأول تَحَوُّل بعد الأشعري كان عند تلامذة تلاميذ الشيخ وهم الباقلاني وهو أفضلهم والغزالي وابن فَوْرَك والجُوَيْنِي والأستاذ الاسفرائيني ثم جاء الرازي وكان من أئمة الكبار فزاد المذهب بعدا وأصبح مدرسة عقلية صرفة حقيقتها الاعتزال ودعواها السنة، ثم جاء بعد ذلك الإيجي والتفتازاني واللَّقاني والسنوسي وجماعة كبيرة منهم ساروا بمذهب الأشاعرة مذهبا كلاميا اعتزاليا مبتدَعا لا علاقة لهم بالسنة والجماعة ولا بالحديث والأثر ناهيك عن التناقضات الشنيعة بين الجيل والجيل بل بين أئمة الأشاعرة في الجيل الواحد يستحيل الجمع بين تلك الأقوال وتُنسب إلى المذهب الواحد بل يُبطل بعضهم قول بعض وهذا موجود معروف كُتبت فيه المؤلفات ونُشرت البحوث لكنهم يتعامون عن الحق، وأشربت في قلوبهم البدع ويرمون أهل الحق بتهم باطلة هم غارقون فيها غرقا الجمهم الجاما.

فالسلفية هم أصحاب الحديث وأئمة الآثار الذين يلتزمون الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح الذين هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان والأئمة المهتدون والفقهاء المجتهدون، فهؤلاء أي أصحاب الحديث يخالفون مخالفة جوهرية أهل البدع والأهواء من المتكلمين وغلاة الصوفية ومتعصبة المذاهب الذين يسلكون مسلكا يخالف الصحابة والتابعين والأئمة الهداة المهتدين، فيقوم هؤلاء الكذَّابون الأفَّاكون يزعمون أن السلفية هي الطرقية والشعوذة وعلم الكلام وأقوال الرجال العارية عن الدليل بل المخالفة للحجة البينة فهذا كذب وإفك، وقد شدَّدتُ على هؤلاء لأن هذا الأمر تزوير للحقائق وخيانة للأمانة وتحريف للتاريخ وطمس للهويةِ وتحقيق لأهداف الاستكبار العالمي وإدخال للأمة في أنفاق الاضطراب والفتنة.

يجب أن يكون الخلاف واضحا نحن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له نبيه وهو أعرف الخلق به ونُمِرُّ الأخبار كما جاءت ونُقِرُّ بالمعنى لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين بخلاف المتكلمين الذين يسلكون مسالك أهل اليونان، ونُنَزِّه الكيفية لأن الكيفية لا يعلمها إلا الله، أما هم فنزَّهوا الكيفية والمعنى وسموه تفويضا ونسبوه إلى السلف كذبا وزورا، بل وفَضَّلوا عليه التأويل الذي هو تحريف بيِّن، فعندما تُذْكَر فواكه الجنة لا ندرك كيفياتها وهي قطعا تخالف فواكه الدنيا لكن علمنا من حيث المعنى أنه شيء يُؤكلُ  والأسِرَّة يُتَّكَئ عليها والحور العين نساءٌ يُستمتع بهن استمتاعا حقيقيا  إذاً فالمعنى ثابت لأنه بلسان عربي مبين والكيفيات لا يعلمها إلا الله وهذا في مخلوق اما الباري جل وعلا فهو أعظم وأجل وأكبر فنؤمن بالاستواء كما يليق بجلال الرب وبالنزول كما أخبرنا المصطفى ولا نعرف الكيفيات البتة بل نؤمن أن صفة النزول لا تعطل صفة الاستواء لأن هذا مقام الربوبية والعظمة والجلال والوحدانية، فمن أحق بالتنزيه القرآني والإثبات الرباني هل أصحاب الحديث أم المتكلمون وفي الباب فضائح عند المتكلمين لا يقول بشيء من ذلك من يعظم القرآن ويومن به ويعتقد أنه كلام رب العالمين ولا يقدم عليه أي قول لقائل أو كلاما لمتكلم ونعوذ بالله من الخذلان ونسأل الله حسن الختام.

أما في باب توحيد الإلاهية فقد وقع الكذابون الأفاكون في الشرك الأكبر في صور وفي البدع المحرمة في أمور وفي المخالفات العديدة في قضايا ويريدون أن ينسبوا هذا الطاغوت إلى السلفية وإلى أصحاب الحديث وهذا دأب أهل الباطل مع الحق في كل زمان لكن يؤول أمرهم إلى الخيبة والخسران.

وجوانب الخلاف عديدة جدا إنما المقصود أن نحذر من هذه الخطة الشيطانية والحيلة الصهيونية التي تريد مسخ مصطلح السلفية وطمس معالم مناهج المحدثين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وليميز الله الخبيث من الطيب ولتستبين سبيل المجرمين.

وسنحاول بتوفيق الله ومعونته أن نبين في الدرس المقبل أن شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كانوا على طريقة السلف الصالح وعلى منهاج أصحاب الحديث، لأن هؤلاء الكذابين الأفاكين أرادوا أن يشوهوا هذا الامام العظيم ابن تيمية والمصلح الكبير ابن عبد الوهاب وأن يعزلاهما عن السلفية وأصحاب الحديث وأن يصوروا هاذين الإمامين العَلَمَيْن على أنهما رؤوس البدعة وأعلام الأهواء وقادة الفتن وأنه اليوم كل من يدعي السلفية فهو تَيمِيٌّ وهابي خارجيٌّ مخالف للسلف وأنهم على مذهب خامس وأنهم أسباب هذه الفتن والمصائب التي تعيشها الأمة وليس الصهاينة والاستكبار العالمي والخونة والمنافقين وكل هذا تحريف في تحريف وكذب في كذب وزور في زور  قال الله تعالى:الزخرف 80

ونحن إذ ندافع على ابن تيمية وعلى ابن عبد الوهاب فهذا من باب إحقاق الحق وأداء الأمانة ووضع الشيء موضعه فهم ليسوا رؤوسا للبدع ولا أعلاما للأهواء ولا قادة للفتن فهذا كذب بيِّن، كما أننا نُفَوِّت على أعداء الإسلام والخونة من المفسدين والكذابين الأفاكين من المبتدعة أساليبهم الشيطانية وطرائقهم الجهنمية.

وابن تيمية وابن عبد الوهاب هم فروع ينتمون إلى أصول زكية فلو خالف ابن تيمية أصحاب الحديث أو قال ابن عبد الوهاب بخلاف قول السلف لا يُعَوَّل عليهما ولا يُلتفت إليهما والعبرة بالأصول الزكية وهي أصول السلف الصالح من الصحابة والتابعين وقواعد أئمة الحديث المرضيين المهتدين وكل من خالف الحق أو جانب الصواب ولو كان من أئمة التابعين بل لو خالف الصحابيُّ المرفوعَ عن النبي عليه الصلاة والسلام لا حجة في قوله وإذا اختلف الصحابة لا يكون أحدهم حجة على الآخر إلا ما دل عليه الدليل أو تبث بالقرائن المعتبرة، فكلامنا هذا ليس من التعصب للرجال ولا والتقليد للأشياخ ولا سيما أنهما كانا رحمة الله عليهما حربا على التقليد المذموم وعلى اتباع الآباء والأجداد إذا خالفوا الحجة والبرهان وعلى التعصب المقيت للأشياخ والعلماء إذا ناقضوا التنزيل أو ابتدعوا ما يضاد هدي سيد المرسلين، فنحن نتعامل معهم بنفس المقاييس أنهما وغيرهم من أهل العلم المحققين ومن الفقهاء المدققين لا يوجد فيهم معصوم البتة إنما الحجة القطعية في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى، وهو حجة بنفسه وغيره حجة إذا احتج به صلى الله عليه وسلم وهو يستدل به وغيره يستدل له وكل أهل الارض من أهل الحق نقطة في بحره العظيم صلى الله عليه وآله وسلم عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم صوابا على منهاج نبيك الكريم وارحم علماءنا الافاضل والمشايخ الأكارم والأئمة المهتدين والفقهاء المباركين واغفر لجميع المسلمين واجعلنا على سَنَنِ أهل الحق سائرين لا مبدلين ولا مغيرين إنك الجواد الكريم الرحمن الرحيم بك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير.

وصلى الله و سلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سلك مسلكه واقتفى أثره نسأل الله أن يجعلنا منهم بِمَنِّهِ وكرمه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

حسبي الله ونعم الوكيل وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد

إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

كتبه أبو عبد الرحمان عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين ليلة الأحد العاشر من ذي القعدة عام سبع وثلاثين وأربعمئة وألف بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق 14 غشت 2016م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *