الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 12 : السلفية والمذهبية – الجزء 4

السلفية 12 : السلفية والمذهبية – الجزء 4

تاسعا : التمذهب السياسي أو تسييس المذهب

بعد عصر السلف الذي كان الفقه فيه الالتزام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وكانت القواعد العلمية والأصول الشرعية،  وكان الأئمة المجتهدون والفقهاء الراسخون هم من يقوم باستنباط الفتاوى الشرعية، وكان الأصل في المسلمين الاجتماع وكان الاختلاف مذموما والتحزب مرفوضا، ثم خلف من بعد ذلك خلوف فظهرت المذهبية، وأصبحت عند الأمة مذاهب كثيرة في الفقه عند أهل السنة والجماعة، ثم عملت الأمة جاهدة أن تحصر المذاهب في الأربعة المشهورة وهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، ثم طال الأمد فأصبح التعصب المذهبي المقيت هو الطابع السائد والجو العام وغدا الجمود والانحطاط هو السمة البارزة في الأمة في جميع المجالات من السياسة و الاقتصاد والاجتماع إلى العلم والثقافة والتربية والآداب، وزاد التعصب المذهبي مسائل الفقه وقضايا العلوم الشرعية ابتعادا شديدا عن المنابع التي كانت زمن السلف الصالح، وغلا الناس في ذلك غلوا شديدا فانقلبت المفاهيم وتغيرت القيم، فالشريعة السمحة تبدلت إلى مشقة وعنت، وسد باب الاجتهاد بالمرة ولو من طرف المؤهلين من العلماء والمجتهدين، وجمد الناس على أقوال المتأخرين العارية عن الأدلة بل كثيرها على خلاف الأدلة الصحيحة الصريحة.

وأصبح الفقه المذهبي ألعوبة في أيدي الطغاة والمتجبرين وأصحاب الأغراض والمصالح وانساق العلماء مع الدنيا وأهل الدنيا في هذه المرحلة وما بعدها وخاصة في الأزمنة المتأخرة بعد سقوط الخلافة العثمانية على عجرها وبجرها، إلا أنها كانت آخر درع يحمي الأمة، واشتد الأمر بعد هيمنة الصليبيين على بلاد المسلمين فأصبحت المذاهب الفقهية مسيسة وغدت السياسة مهيمنة على التمذهب، فقال من قال من العلمانيين والحداثيين تبعا للمستشرقين إن الدين أداة للساسة يلعبون به كما يشاؤون، ووصفوا الإسلام بأقبح الأوصاف ظلما وعدوانا، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، ولو كان هؤلاء من أهل الدراسة والبحث وفيهم شيء من الصدق لنسبوا التمذهب السياسي وتسييس المذهب إلى الانحرافات التي سببها التعصب المذهبي وخالف أصحابها الكتاب والسنة وفقه السلف،.أما شريعة الرب المنزلة التي تتبرأ من التعصب المذهبي فليست ألعوبة في أيدي الساسة ولا مصالح يستغلها أهل الدنيا والترف، لأن أحكام الرب واضحة تمام الوضوح وناصعة حقيقة النصاعة في أن العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض هو تحكيم الشريعة الربانية كما أنزلها رب العالمين على سيد الأولين والآخرين، بل يخاف المجرمون من الدرة العمرية التي تبدأ بالكبار قبل الصغار، ومن أين لك هذا، وأن يقام حد الرب على كل من وقع في المخالفة الشرعية، فهؤلاء المجرمون وأولادهم وأقاربهم الذين يعيثون في الأرض فسادا ترتعد قلوبهم عند ذكر تطبيق الشريعة وإقامة حدود الرب لأنهم هم أول من يقام فيهم الحد، فالإسلام يهين الباطل وأهله ويمنع الفساد وأصحابه ويعطي كل ذي حق حقه، كيف يستطيع الجبابرة المفسدون والمترفون المفتونون والظلمة المجرمون أن يستغلوا هذا الدين الحق وهو أول من يقضي عليهم وعلى فسادهم وفتنتهم وعلوهم في الأرض، فلا يستطيع المفسدون أن يتلاعبوا بالشريعة ولا أن يستغلوا الدين الحق.

لكن أعداء الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم وأهل الفساد في الأرض وجدوا في التعصب المذهبي وفي علماء السوء وخطباء الفتنة وقضاة الجور وطغاة الخلق ما يجعلون به المذهب في خدمة السياسة الجائرة والقوانين الباطلة فيحلون لهم الحرام ويحرمون لهم الحلال ويداخلونهم في تزيين الباطل محرفين بذلك النصوص الشرعية ومتلاعبين بالقواعد العلمية والأصول الفقهية والمقاصد الشرعية والاجتهاد التجديدي وما إلى ذلك من الضلالات والانحرافات التي يظنها الناس أنها شرعية وأنها صدرت من المجامع الفقهية والمؤسسات الشرعية، فيتخذ المستشرقون وتلامذتهم من العلمانيين والحداثيين ذلك ذريعة إلى الطعن في الشريعة المنزهة زاعمين أن الدين أفيون للشعوب وأنه أداة لاستغلال الحكام والقضاة وأصحاب القرار للأمم استغلالا شنيعا، و يبرر لهم ذلك علماء السوء ويؤصله المكلفون بالفتوى ممن لا يخافون الله جل وعلا ولا يهابون يوما كان شره مستطيرا.

هذا الفقه المذهبي المتسيس يفتي اليوم بما يناقضه في الغد ويستدل بالدليل الواحد على المسألتين المتناقضتين، ويخلط الأمور خلطا ويذكر أخبارا وأحداثا يجعلها أصلا من الأصول وهي وقائع أعيان لا عموم لها، ويغرسون في الناس الخرافة والدجل والشعوذة والقبورية ويجعلونها هي الدين الحق، ويرفضون الاحتجاج بالنصوص ويحرفونها تحريفا وإذا كان في بعضهم بقية قال النصوص أعظم من أن نفهمها وأكبر من أن نستدل بها وإنما يشرحها أهل الفقه ويقصدون المتأخرين من المتعصبة لفروع المذاهب أو الغلاة من الخرافيين والطرقيين ممن لا علاقة لهم بفقه السنة ولا بتعظيم الدليل ولا بالتزام الكتاب والسنة بفقه سلف الأمة، بل يبلغ بهم العبث بعقول الناس خدمة لتسييس المذهب أن يقولوا إن ما وجدنا عليه الآباء والأجداد وما هو مشهور في البوادي والجبال وما توارثه الناس في كل مكان هو الدين وهو الإسلام وهو الشريعة حاملين راية باطلة وهي الخصوصية لكل بلد، وهذا كلام لا قيمة له في العلم الشرعي، نعم تراعى الأعراف لأن العرف من الأصول المعتمدة عند فقهاء السلف وعند الأئمة المهديين والعلماء الراسخين، فأحكام البلاد الباردة غير البلاد الحارة، والسهول مع الجبال والصحاري البعيدة مع الحضر، فيبيحون التيمم في الصحراء النائية لعدم وجود الماء، ويخرجون التمر في زكاة الفطر في بلاد التمر ويخرجون غيره في البلاد الأخرى مما هو من قوت البلد، فالعرف شيء له ضوابطه وأصوله، أما الخصوصية بمعناها السياسي والثقافي تسييس للمذهب وهي تمذهب سياسي يتلاعب فيه الناس حسب المناخ ويراوغون على قدر المصالح ويحرفون تبريرا للفساد ويبدلون تعظيما للمترفين ولا مكان في هذا العالم السياسي الوضعي المخالف لشريعة رب العالمين للقرآن الكريم ولا للسنة المطهرة ولا لفهم السلف الصالح ولا يستدل فيه بالقواعد الرصينة ولا بالأصول السليمة ولا بالمقاصد الرشيدة، وإنما الأهواء والرغبات والمراوغات والتلاعبات باسم الدين، والدين من هذه الأفعال براء، ثم يذكرون مصطلحات يزيدون بها الأمر التواء فيقولون كلمة التدين وكلمة الإسلاميين والتيارات الدينية والتجديد ومراعاة الخصوصيات، و”الإسلاموفوبيا” والمرجعية الإسلامية والإسلام السياسي والكراهية وما إلى ذلك من المصطلحات العلمانية الغامضة التي لا يوجد لها تعاريف دقيقة، والمراد منها الالتواء في التنقيص والمراوغات في التحريف، فتنساق المؤسسات الرسمية والدعاة والباحثون ورجالات الفكر الإسلامي والحركيون والأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية في التعامل مع هذه المصطلحات القبيحة تجاوبا أحيانا، وأنصافا للحلول أخرى، وانبهارا بالعولمة وخضوعا للضغط العالمي، وربما حبا في الدنيا وكراهية للموت، وهذا كله من نتائج التمذهب السياسي وتسييس المذهب وهي نتائج وخيمة تعود على الأصول بالإبطال وعلى الأمة بالمهانة وتمكن للاستكبار العالمي في استعباد الخلق، ويزعمون أنه لا تباح الفتوى إلا من المؤسسات الرسمية منعا لأهل الحق من قول كلمة الحق، ويفسحون المجال للمفسدين في الأرض أن يقولوا على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير،  بل بلغ الأمر برؤوس المؤسسات الرسمية أن قالوا لا فرق بين الإسلام والعلمانية.الزخرف 19

والأدهى والأمر بل الأقبح والأخبث هو أن المؤسسات الرسمية والدعاة ورجالات الحركات الإسلامية والأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية يعتبرون الديمقراطية التي هي دين وثني وعقيدة شركية وبرنامج ساقط ومنهاج متهافت أمرا نافعا وطريقة مرضية، ويدافعون عن هذا الجرثوم الفتاك والسم الزعاف كما يدافع أهل الحق عن تطبيق شريعة الرحمان وإقامة الحدود التي في القرآن، بل جهودهم أكبر وعملهم أقوى.الفرقان 23

وسنبين أمثلة من ذلك مما جعل المذهبية والتعصب المذهبي سبيلا إلى تسييس المذهب والتمذهب السياسي والسعي الحثيث إلى عولمة الفتوى وعلمنة الدين وأن يصبح المسجد كالكنيسة معطلا، لا دور له في بناء الأمة، وأن يكون الدعاة والخطباء أمواتا غير أحيا، وهذا هو هدف الاستشراق والعلمانيين والحداثيين وغيره، وللأسف الشديد تسير المؤسسة الرسمية في هذا البرنامج العلماني حذو القذة بالقذة، بل الباحثون والدارسون في القضايا الإسلامية ورجالات التيارات ذات المرجعيات الإسلامية كلها تحاول التقارب مع العلمانيين بأنصاف الحلول، وتسعى إلى إرضائهم، وهذا كله على حساب الإيمان والتوحيد وشريعة الرحمان، وكل هذا من أبطل الباطل والتحريف والتغيير والقول على الله بغير علم والكذب الصراح على هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

عاشرا : التعصب المذهبي والتمذهب السياسي (التعريف بالبدعة مثلا)

سنحاول بإذن الله جل وعلا أن نضرب مثالا واحدا من الأمثلة في دور التعصب المذهبي والتمذهب السياسي في التلاعب بالقواعد الأصولية والمقاصد الشرعية بما هو مخالف مخالفة تامة للكتاب والسنة ولمذهب الإمام مالك بن أنس ولما هو معروف عند فقهاء المذاهب ولما كان مشهورا عند علماء المذهب المالكي وغيره، مما يؤكد أن متعصبة المذاهب الفقهية لا يريدون التزام الحق الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن أصحاب التمذهب السياسي لا يهمهم أمر الدين البتة ولا علاقة لهم بالكتاب ولا بالسنة وإنما يهدفون إلى استغلال التعصب المذهبي لأغراض شخصية ومصالح ذاتية واستباق سياسي وحسابات بشرية فلا علاقة لهم بالشريعة المحمدية ولا ارتباط عندهم بأئمة المذاهب الفقهية، وإنما هم أصحاب دنيا وأهل ترف يتلاعبون بما ظاهره الحق من أجل خفي هو الباطل.

وهذه المسألة التي نريد أن تكون مثالا هي مسألة أصولية يتفرع عنها جزئيات عديدة وهذه المسألة هي موضوع “البدعة” لأن هذا الباب إذا فسر تفسيرا شرعيا بأدلة الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة وعلم أهل المدينة وفقه الإمام مالك بن أنس وما عليه جماهير الفقهاء والأئمة العلماء من المالكية وغيرهم سيكون حجة قاطعة ضد متعصبة المذاهب وضربة قاصمة لأهل التمذهب السياسي.

فالبدعة في الشريعة الإسلامية هي ما كان على خلاف السنة النبوية الصحيحة أو ما لم يدل عليه دليل معتبر شرعا فضلا أن تكون خلاف الدليل، فهم يفسرون البدعة تفسيرا مخالفا لمعناها اللغوي وحقيقتها الاصطلاحية، وقد بين أئمة المالكية وفي مقدمتهم الإمام الشاطبي (تـ590هـ) في كتابه النفيس الاعتصام  معنى البدعة الحقيقية، وهي التي لا أصل لها في الشريعة البتة كبدعة الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية، كما أنه أوضح بجلاء البدعة الإضافية، وهي التي تندرج تحت أصل عام باعتبار وتكون بدعة باعتبار آخر فهي إضافي، وهي تعتبر عند متعصبة المذاهب سنة من السنن، لا بدعة من البدع، وقد ذكر بجلاء البدعة الإضافية تأصيلا قويا يصفع باطل أهل الأهواء والبدع  كما نقل فيه نصوصا كثيرة عن إمام الأئمة وعالم الملة مالك بن أنس رحمه الله، وإنكاره للبدع والحوادث ومن ذلك قوله لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقوله أيضا أي مالك بن أنس من قال في الإسلام هذه بدعة حسنة فكأنما زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الأمانة، وفي أقوال كثيرة نفيسة جدا منقولة عن هذا الإمام العظيم، وكذلك فعل العلامة المالكي الطرطوشي (تـ520هـ) في كتابه البدع والحوادث وما إلى ذلك من مصنفات الأئمة الهداة من العلماء المالكية وغيرهم .

فقد خالف هؤلاء المتعصبون الشريعة والأدلة الصحيحة وأقوال الأئمة في التعريف بالبدعة وغيرها من قواعد الدين إتباعا للهوى ومخالفة للدليل وتلاعبا بالقواعد الشرعية، وحرفوا النصوص الصحيحة الصريحة في موضوع البدعة تحريفا بينا، من ذلك أنهم يفسرون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة” أن هذا الحديث من العام المخصوص، ثم يجعلون هذا التخصيص عاما ويبطلون به الأصل الذي يؤكد تأكيدا صريحا على أن كل محدثة بدعة ويجعلون كل محدثة سنة، بل وكل سنة صحيحة صريحة أبطلوها بالأهواء والبدع، والذي يدل على بطلان تفسيرهم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نفسه يقول “إنه من يعش منكم فسيرى  اختلافا كثيرا”، وهم يعتبرون هذه الأمور التي وقع فيها الاختلاف الكثير كلها صحيحة لأنها تندرج تحت أصل عام، ويقول عليه الصلاة والسلام: “لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم”، وهذا على سبيل الذم قطعا، وجاء بصيغة التأكيد، وهؤلاء يقولون هذا الاتباع يندرج تحت أصل عام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: “ما من زمان إلا والذي بعده شر منه”، إلا أنه كان يستثني الطائفة الظاهرة وهم الذين يسلكون مسلكه وينهجون منهجه، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: “سيكون بعدي هناة وهناة تعرف وتنكر” وهؤلاء عندهم تعرف وتعرف وكان عليه الصلاة والسلام يقول: “ما من نبي بعثه الله إلا وكان له حواريون وأصحاب ثم تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون”، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام عن أقوام يذادون عن الحوض فيقولوا أصحابي أصحابي فيقولون إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك فيقول سحقا سحقا، ترى ما هذا الذي أحدثوه وأهل التعصب المذهبي يقولون افعلوا الخير، وهل هذا الذي أحدثوه إن هو إلا الخير المزعوم عند أهل البدع، وكم من مريد للخير لم يصبه،  وقد ورد الكثير من كلام الصحابة والتابعين في أن السنن تموت والبدع تحيا وهو المنصوص بصراحة واضحة وكلام بين عن إمام الأئمة وفقيه الملة مالك بن أنس وعن غيره من الأئمة الأربعة والفقهاء المجتهدين والعلماء المحققين.

إذا على مستوى التأصيل يخالف متعصبة المذاهب أهل الحق في التعريفات والحدود ليفتحوا المجال لكل البدع والضلالات، وعلى مستوى التمثيل يمثلون بقواعد مبتدعة كقولهم إن البدعة إذا اندرجت تحت أصل عام كقوله تعالى:الحج 77

فيجعلون كل فعل من أفعال الخير جائزا ولو خالف الأدلة القطعية لأنه أصل عام، ويكفي في بطلان كلامهم أنه يؤول إلى إبطال النصوص التي سبق ذكرها، وكل ما آل إلى باطل فهو باطل، لأن كل مبتدع إلا ويقول إنه يريد الخير -والتعريف للخير أنه الذي دلَّ عليه الدليل الشرعي ولا يخالف السنة النبوية الصحيحة بحال-، هذا هو الواقع العملي في الزوايا والتكايا وأحوال الناس وفي الأذكار والأوراد والوظائف والأعمال ما هو بالقطع بدع محدثة وأهواء محرفة للحق المبين مما لا يستريب فيه من شم رائحة العلم الشرعي، بل لم يقف هؤلاء المتعصبة في حدود المسائل العملية فقط بل جعلوا كل الشركيات من عبادة القبور والأضرحة والمشاهد والذبح لها والاستغاثة بها  فيما لا يقدر عليه إلا الله والاعتقاد في المخلوق من خصائص الربوبية ما لا يليق إلا بالله وتقديم العبادات لغير الله لما لا يصلح إلا لله ، جعلوه كله  من الأمور المباحة شرعا وتندرج تحت أصول عامة، وأن هؤلاء أولياء لله يجوز التبرك بهم والتوسل إليهم، ثم توسعوا إلى تعظيمهم التعظيم الذي لا يليق إلا بالله وادعوا أنه مجرد توسل وتبرك وزيارة شرعية ثم غلوا غلوا فاحشا، فعبدوهم العبادة التي لا تليق إلا بالله ولا تصلح إلا لله زاعمين أنها أمور تندرج تحت أصول عامة، واستغل ذلك أهل الدنيا وأصحاب الترف ممن يريدون تسييس المذهب والتمذهب السياسي، فسخروا هذا الباطل البين لمآرب سياسية وأهداف دنيوية مما جعل العلمانيين والحداثيين يتهمون الشريعة بالخرافة والأساطير وأنها أفيون للشعوب ولا تصلح للحضارة الحديثة مما هو كذب وافتراء على الشريعة المنزلة والسنة المطهرة وإنما هي ضلالات أهل التعصب المذهبي وزيغ أصحاب التمذهب السياسي وتسييس المذهب.

وسينبين في الدروس المقبلة المذهب المالكي نموذجا سواء في مسألة المذهبية أو التعصب المذهبي أو تسييس المذهب المالكي مع العلم أننا نعلم يقينا أن مالك بن أنس هو إمام الأئمة وفقيه الملة والعالم الجهبذ الذي تضرب إليه أكباد الإبل وهو حجة الله في زمانه، وهو فقيه المحدثين ومحدث الفقهاء ونحن أولى بهذا الإمام العظيم ممن بدلوا وغيروا وحرفوا وحولوا المذهب إلى تعصب والحق إلى تسيس، فأين هؤلاء جميعا من الإمام مالك بن أنس رحمه الله ورضي الله عنه.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الكرام وصحبه الأخيار.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حسبنا الله ونعم الوكيل.

وأفوض أمري الى الله إن الله بصير بالعباد.

إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

كتبه أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين.

كتبه أبو عبد الرحمان عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين ليلة الثلاثاء الثامن عشر من ذي القعدة عام سبع وثلاثين وأربعمئة وألف بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق 22 غشت 2016م

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *