الرئيسية / مقالات / سلسلة إيقاظ الضمير في شكاية ضمير / إيقاظ الضمير في شكاية ضمير 06 – المسلك الشخصي والمسلك النوعي والآيات الباهرة والشهادات من الكتب السابقة (المسلك الشخصي)

إيقاظ الضمير في شكاية ضمير 06 – المسلك الشخصي والمسلك النوعي والآيات الباهرة والشهادات من الكتب السابقة (المسلك الشخصي)

لقد جعل ابن القيم رحمه الله هذه الأدلة مما يشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة وأن الله اصطفاه واختاره وأرسل معه القرآن الكريم الذي هو الحجة العظمى على الخلائق جميعا إلى أن تقوم الساعة وهو النبي الخاتم الذي ختم الله به كل الرسالات فزينه الله بكل الكمالات البشرية والعظمة الإنسانية فهو خاتِم الأنبياء بمعنى الكمال وهو خاتَم الأنبياء بمعنى الجمال.

وقبل أن نفصل في هذه المسالك والآيات نريد أن نهمس في آذان المرتدين بأننا نتحداهم في أن نعرض شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مقاييس العظمة وموازين العبقرية بمناهجهم العالمانية وطرائقهم الاستشراقية فستكون النتيجة الواضحة الظاهرة أن محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم إنسان وأنجح بشر وأكمل مخلوق أما إذا عرضناه على مقاييسنا الإسلامية وموازيننا الإيمانية فهيهات هيهات فلو وزن به أهل الأرض جميعا لرجح صلى الله عليه وسلم.

المسلك الشخصي

كل من ادعى دعوى لابد أن يثبت الحجة على دعواه فمن قال إني طبيب أو عالم أو نحوي أو أنه من القراء فلابد أن يثبت الحجة على دعواه من شهادة جامعية أو إجازة علمية أو تزكية معتبرة أو ما إلى ذلك ثم تأتي المسالك النوعية وهي أن يختبر في دعواه فيكون لحجته إثبات يؤكد ما ادعاه وإلا تبطل تلك الأدلة التي أدلى بها لإثبات دعواه.

ولهذا سأل النجاشي جعفر ابن أبي طالب ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى أرض الحبشة فسألهم عن المسلك الشخصي، وهِرَقل سأل أبا سفيان ومن معه من أهل مكة وهم يومئذ مشركون في إيلياء وهي القدس عن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهو المسلك النوعي.

فالله جل وعلا يبعث الأنبياء من أنفس أقوامهم وأشرف بلدانهم بل يكون أباؤهم وأجدادهم ممن يعرفون بالشرف بين أناس أزمانهم حتى لا يكون ما يعكر على صفو دعوة الأنبياء ولكي لا يتذرع شخص بأننا شككنا في نبوته لأن أجداده كانوا مجرمين أو أن جداته كانوا كيت وكيت.النساء 165

وقد جاء في الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله أخرجني من النكاح ولم يخرجني من السفاح” صحيح الجامع الصغير رقم 1703.

فالأنبياء يحفظون من أي منقصة ويصانون من كل عيب ولو لم يكن لهم فيه اختيار كالأنساب وشرف الآباء وعفة الأمهات، ويكون الأنبياء من أشرف أقوامهم، ويكون الأنبياء في مَنعة حتى لا تهان أقدارهم.

ولا يكون في الأنبياء عيوب في أجسامهم حتى لا ينفر الناس منهم إلا إذا جاءت على سبيل الابتلاء بعد النبوة كما حصل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام ليكون آية في الصبر وبرهانا على علو القدر.

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم عاش في صباه عاقلا رزينا لم يعبث عبث الأطفال بل كان وهو صبي كأنه كهل.

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان في شبابه زكيا طاهرا خيرا لم ينغمس في مجون الشباب ولم تعرف عنه صبوة الفتيان رغم أنه كان يتيم الأبوين ولم يمنعه مانع أو يحجزه حاجز وجو مكة كان حارا بالشهوات مزدحما بالمجون مليئا بالفتن ولم يلطخ هذا النبي الكريم بقطرة من هذه الجاهلية العمياء.

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان أمينا صدوقا وفيا وقورا عرفته مكة على بكرة أبيها بهذه الأوصاف العظيمة قبل البعثة ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المسلك الشخصي على قريش وهو يدعوهم إلى الإسلام وتوحيد رب العالمين ونبذ الشرك فقال: “أرأيتم لو أخبرتكم أن جيشا بالوادي يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا والله ما جربنا عليك كذبا قط……” فاعترافهم بصدقه كاعترافهم بأمانته لذا كانوا يلقبونه بالأمين وكانوا يتركون عنده ودائعهم حتى بعد البعثة ولما أراد أن يهاجر إلى المدينة أوصى علي ابن أبي طالب أن يرد الودائع إلى أهلها في أحرج الظروف وأحلك الأحوال لأن الأمانة خُلقه والصدق سَجيته.

وهذه زوجته الحنون خديجة الكبرى رضي الله عنها تستقبله وفؤاده يرتجف في أول لحظة لنزول الوحي عليه. والزوجة من أعرف الناس بعيوب الزوج فهي تقول له “كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.

ولهذا أراد النجاشي وكان من عقلاء الرجال وحوله جماعة من الرهبان والأساقفة ورجال الدولة، أراد أن يعرف المسلك الشخصي لهذا النبي الكريم فقال له جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه وكان مقدم القوم من المسلمين في الحبشة “أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فعدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك” ثم بعد ذلك تلا عليهم جعفر ابن أبي طالب سورة مريم فبكى النجاشي حتى ابتلت لحيته وبكى الأساقفة ثم قال النجاشي “والله إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة” فقال لسَفيرَي قريش “انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا” فكانوا عنده في خير جوار ثم أسلم رضي الله عنه بعد ذلك ولما مات قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه قال فقمنا فصففنا كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت.

فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كانت كل أخلاقه رفيعة كان أمينا صدوقا من رآه هابه ومن اقترب منه أحبه، وأهل مكة لم يَكفروا لأنهم يعلمون عنه ما ينافي النبوة بل جحدوا ظلما وعلوا.الأنعام 33

فالنبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة لم يسجد لصنم قط ولم يشرب خمرا ولم تعرف عنه منقصة وكان آية في الصدق ومعلمة في الوفاء بل كانت هناك قبل مولده إرهاصات عديدة تدل على عظمة شأنه، كما سيأتي في الآيات البينات على نبوته صلى الله عليه وسلم.

أما النبي عليه الصلاة والسلام بعد النبوة والرسالة سواء قبل أن يمكن الله له في المدينة النبوية أو بعد التمكين فقد كان آية عظيمة لم يسبق لها نظير ولم يماثلها بعده شبيه فقد وهبه الله الكمالات العظيمة والفتوحات الكبيرة فما غدر عدوا ولا هلك قريبا ولا خرق عهدا ولا أباد قوما ومن قرأ تاريخ القادة العالَمِيِين والفاتحين الكبار والعباقرة الأفداد وجد من النقائص والعيوب والتآمر والفساد العريض مما يندى له الجبين مما يجعل هؤلاء جميعا لو وضعوا في كفة ووضع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كفة لجاءت الصورة هم في الثرى وهو في الثريا.

وهذا أحد كبار أعدائه الذي مارس كل ألوان الخيانة وأشاع الفساد ونشر الفتن وأساء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم إساءات بالغة وهو عبد الله بن أبي ابن سلول الذي كان يمنع الصحابة إذا قالوا له دعنا نضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتريدون أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وصبر النبي عليه الصلاة والسلام على أذاه الشديد وكان أقبحه حادث الإفك وما تلاه من أحداث مؤلمة.

ويموت هذا العدو اللدود ويرسل النبي صلى الله عليه وسلم رداءه ليكون له كفنا ثم يخرج في جنازته ويصلي عليه صلاة الجنازة.

أي خلق هذا؟ وأي سماحة؟

إن القادة العظماء لا يتسامحون البثة مع أعدائهم وإذا منعتهم المصلحة من الانتقام حملوا في قلوبهم من الغيظ على أعدائهم ما لا يجهله أحد أما، أن يكون الثوب كفنا ويصلي عليه صلاة الجنازة ويستغفر له فهذه أخلاق عظيمة لا تكون إلا عند الأنبياء وفي صَفحِه على من خالفه وعفوه عن من ظلمه وإحسانه إلى من أساء إليه كان في ذلك المثل الأعلى
والنمودج الرفيع والقدوة النادرة.

فإذا كان هذا مع أعدائه فكيف يكون مع إخوانه؟

رد لهم الجميل بالأجمل والإحسان بالأحسن في الوقت الذي كان يبدأ العظماء بإزالة المقربين وإبادة المبعدين فهلموا ذلونا على رجالكم واذكروا أبطالكم ولا مانع عندنا أن نستعمل مقاييس العظمة وموازين العبقرية على مناهجكم العالمانية وطرائقكم الاستشراقية لأننا موقنون بعظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه فوق الألوان وهو أعظم إنسان بكل المقاييس وأنجح مخلوق وفق جميع الموازين.

فإذا كانت من رغبة في إحقاق الحق بمناهج البحث العلمية بعيدا عن الالتواء والمراوغة وفن الكذب وإتقان التضليل فها هو نبينا كالشمس يعرف الناس مدخله ومخرجه، وإذا كان الناس يخفون أسرارهم مخافة أن تعرف عيوبهم فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان واضحا كجمال وجهه صريحا كدعوته نقيا كرسالته فالناس ينظرون إلى بيته وعلاقته بأزواجه وأولاده وأحفاده وأصهاره كما يعلم الناس جميعا ثروته وأمواله وعلاقاته وارتباطاته ومعلوم علما يقينيا كل تصرفاته مع أصحابه وأعدائه وجيرانه وخصومه وحروبه وسلمه ومعاهداته والتزاماته فكان صلى الله عليه وسلم نورا على نور.

وقد حاول أعداءه بعد البعثة وأيام الهجرة وبعد التحاقه بالرفيق الأعلى وفي كل زمان ومكان البحث عن العيوب والنقائص التي تنفي عنه النبوة أو تناقض الرسالة فلم يجدوا إلى شيء من ذلك سبيلا وتفرغ المستشرقون لإيجاد شيء ولو كان يسيرا يخدشون به هذا الصرح العظيم كما فعلوا في التنقيب في كل آية من كتاب الله يريدون مدخلا للمس بهذا الذكر الحكيم أو النيل من هذا الكتاب الكريم فباءت كل جهودهم بالفشل الذريع فأسلم بعض من أدركته العناية واعترف بالحق من كان له ضمير حي أو بصيرة يقظة وعجز من أصر على المضي في هذا الطريق المظلم ولا زالت الجهود مستمرة بشكل غريب جدا وجهد لم يمارس مع كتاب قط ولا مع إنسان البثة.

ولو أن عشر معشار ما فعله أعداء الإسلام عبر التاريخ فعلوه مع كتاب غير القرآن الكريم أو مع إنسان غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم لهدت الجبال ودكت العماد وأزيلت الآثار وسحقت المعالم ولم يتعرض كتاب في التاريخ ولا إنسان في كل الأزمان لهذه الهجمات العنيفة والضربات المبيدة فكانت تَرجع حاسرة وتعود خائبة حتى قال كبار زعماء الاستشراق ودهاقنة العالمانية إن الإسلام اسثتناء من القاعدة وأمر فوق المعتاد ولن تنجح فكرة ولو تعاون عليها جميع الأرض في محو الإسلام من أرض المسلمين أو إزالة عظمة القرآن في قلوب المؤمنين.

هذه بعض مظاهر المسلك الشخصي في طفولته وشبابه وكهولته قبل البعثة ثم بعد النبوة كان عظمة لا نظير له ومقاما سنيا لا سبيل لإدراكه.

وسنذكر المسالك الأخر التي يتم بها البيان وتكمل بها الحجة ويختم البرهان وتغرس الأدلة ويفضح أعداؤه ويتعرى خصومه وتنكشف شبهات شانئيه ويبوء من حاربه بالفشل الذريع لأن الحق لا يهزم والباطل كان زهوقا.سورة الكوثر

أي أن عدوك هو المنقطع وهو الذي ستتجاوزه قاطرة التاريخ ويصبح في خبر كان لأن الحق أبلج وأن الباطل أدلج وأظلم وأقبح.الحج 40آل عمران 12الأنعام 11

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.

كتبه أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين الأحد لخمس عشر خلون من محرم الحرام سنة ست و ثلاثين وأربعمئة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الموافق 9 نونبر2014.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *