الرئيسية / مقالات / سلسلة إيقاظ الضمير في شكاية ضمير / إيقاظ الضمير في شكاية ضمير 07 – المسلك الشخصي والمسلك النوعي والآيات الباهرة والشهادات من الكتب السابقة (المسلك النوعي)

إيقاظ الضمير في شكاية ضمير 07 – المسلك الشخصي والمسلك النوعي والآيات الباهرة والشهادات من الكتب السابقة (المسلك النوعي)

ثانيا – المسلك النوعي

المسلك النوعي هو دراسة ما جاء به من ادعى أي دعوى فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن الكريم وهو أعظم معجزاته وآتاه الله من الآيات البينات والحجج الباهرات مما يدل على صدق نبوته ونور رسالته وكمال أمانته وتمام نعمة الله به للخلق وأنه رحمة للعالمين.

فقد سأل النجاشي وهو عظيم الحبشة جعفر ابن أبي طالب عن النبي عليه الصلاة والسلام وأخلاقه وأمانته وصدقه وعفته وهذا هو المسلك الشخصي ثم سأله عن الذي جاء به وهو المسلك النوعي، فما كان من النجاشي إلا أن قال هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.

وهذا هو الذي حصل لقيصر عظيم الروم لما أرسل إليه النبي عليه الصلاة والسلام رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام ويقول له “أسلم تسلم” وهي رسالة تنم عن روح الحوار في زمن الطغيان وعن الدعوة إلى السلام لما كانت الحروب العظيمة هي لغة العصر ولم يكن بين عظماء ذلك الزمن من لغة يتفاهمون بها إلا صليل السيوف ولم يكن للعرب ولا لغيرهم من الأمم المستضعفة كلمة تقال ولا وزن يعتبر فتدخل رسائل النبي صلى الله عليه وسلم القصور فيمزقها كسرى بطيش الجبابرة ويقبلها المقوقس حاكم مصر ويرسل للنبي عليه الصلاة والسلام هدايا تكريمية، ويأخذها النجاشي مؤمنا بها معظما للنبي عليه الصلاة والسلام، ويتأمل هرقل الذي كان ملكا عظيما ونصرانيا متمسكا بدينه ما دار من حوار مع أبي سفيان وكان يومها سيدا لقريش ومن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من حيث النسب وهاهي القصة كما هي مذكورة في مصادرنا المعتمدة ….

قال الإمام أبو عبد الله البخاري في جامعه الصحيح باب بدء الوحي: “أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لا قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لا قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لا قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمِ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لا وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ أسلم تسلم يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلام”

وفي هذا الحديث فوائد عظيمة يهمنا فيها في موضوعنا في المسلك الشخصي والنوعي أن هرقل عظيم الروم بحث عمن يعرف النبي عليه الصلاة والسلام معرفة جيدة فوجد أبا سفيان وهو سيد قريش وكان يومها مشركا ثم أسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه فسأله أسئلة دقيقة يعرفها من له علم ودراية بالأشياء وخلص إلى ما انتهى إليه النجاشي أن إذا صدقت يا أبا سفيان فيما أخبرتني به فسيمكن الله له في الأرض وود هرقل لو تيسر له أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام وأن يغسل قدمه ولكن طاغوت حب الدنيا وفتنة المنصب وأغلال الحكم كانت حجبا كثيفة حرمته نعمة الدنيا ومجد الآخرة.

وهذا المسلك الشخصي والنوعي هو الذي حذا بورقة بن نوفل وكان عالما بالكتاب الأول أن قال للنبي عليه الصلاة والسلام “هذا الذي جاءك هو الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا”.

فهذا رجل عالم لا يطلق الكلام على عواهنه ولكنه أدرك أن هذا الأمر وحي منزل أي يخرج من مشكاة واحدة مع الذي جاء به موسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهما أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وأضاف ورقة بن نوفل مخبرا النبي عليه الصلاة والسلام أنه سيتعرض للابتلاء وسيخرج من أرضه لأنها طريق الأنبياء وسبيل الرسل.

وكان بالمدينة النبوية أحد أحبار اليهود وهو عبد الله بن سلام وقد أسلم وحسن إسلامه وكان من خيار الصحابة استقبل عبد الله بن سلام النبي عليه الصلاة والسلام يوم الهجرة وكانت له خبرة عظيمة وتجربة واسعة بالناس والأحوال والوقائع فنظر نظرة ثاقبة للنبي عليه الصلاة والسلام فقال في نفسه أما وجهه فليس بوجه كذاب ثم اقترب إليه ليسمع ما يقول فسمعه يقول يا أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.

فالوجه منير وضيء هذا المسلك الشخصي والكلام بديع بليغ وهذا المسلك النوعي.

فجاء عبد الله بن سلام وكان من كبار أحبار اليهود مسلما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه نزل قول الله تعالى:%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%82%d8%a7%d9%81-10%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b9%d8%af-43

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون في حقه عليه الصلاة والسلام “من رآه هابه ومن صحبه أحبه …” لأن من رآه علم أن وجهه وجه صادق أمين فتحصل الهيبة له وهذا في المسلك الشخصي، وأما من صحبه أحبه لأن المعاشرة تكشف المعدن فمن صحبه رأى أمرا عظيما وشأنا كبيرا وهذا هو المسلك النوعي.

ولما جاء وفد نجران وهم نصارى أدخلهم المسجد وأجلسهم في ناحية له من جهة قبلتهم ثم كانت بينه وبينهم مناظرات علمية وحوار بناء ونقاش هادئ في نهاية الأمر قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام “لم يبقى لنا إلا أن نبتهل أينا على الحق امتثالا لقوله تعالى : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}” فجاء النبي عليه الصلاة والسلام ومعه فاطمة الزهراء البتول وعلي ابن أبي طالب والحسن والحسين يريد مباهلة نصارى نجران فقال لهم كبيرهم ويحكم أتريدون مباهلته والله لن تبلغوا أرضكم ولقد علمتم أنه النبي المذكور في كتبكم فأبوا المباهلة فقال النبي عليه الصلاة والسلام إذا تسلمون قالوا لا قال الجزية قالوا نعم وأدوا الجزية وانصرفوا إلى بلادهم.

وكل من سمع القرآن الذي أنزله الله على نبيه إلا اهتز تعظيما لهذا الكتاب وهم العرب الفصحاء وأصحاب اللسان البلغاء وكان الشعر عندهم سليقة وكانت أسواق العرب وهي عكاظ والمجنة وذي مجاز من أسواق الكلمة ولم تعرف أمة من الأمم الاهتمام باللغة والشعر والحكمة والبيان ما عرفته العرب وكانت تعظم الشعراء وتهتم بالمعلقات وربما كان بيت هجاء يجر حربا ضروسا أو قصيدة مدح تدفع فيها ثروات أو رثاء تهتز إليه قبائل أو غزل يذيب قلوبا.

فجاء القرآن الكريم فوجد فيه العرب وهم أرباب البيان وأساطين الشعر ما لا قبل لهم به فلم يكن من السهل أن يدع الرجل دين آبائه وأجداده أو أن تجتمع كلمة العرب التي مزقتها الحروب دهورا وأكلتها الثارات أحقابا أن تنطفئ تلك النيران لولا أنوار القرآن الكريم.

وقد قال ابن خلدون في مقدمته أن العرب أمة لا تنصاع بسبب عصبيتها وهمجيتها إلا للنبوة.

وقد قال الجاحظ وهو من أئمة البيان وعلماء البلاغة إن العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أهل ذوق للغة العرب فلما سمعوا القرآن حصل لهم ما حصل لسحرة فرعون لما رأوا معجزة موسى أما العرب بعد ذلك فاختلطت ألسنتهم فكانت العربية ملكة عند من حافظ عليها من قبائل العرب أو صناعة عند من تعلموها من العلماء وأهل اللغة والبيان أما من كانت عندهم ذوقا كان الرجل إذا سمع الآية من القرآن اهتز فؤاده ورجع إلى الناس بغير الوجه الذي ذهب به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهذا حصل مرات عديدة و لقبائل كثيرة بل حتى زعماء قريش ممن كان يأتيه مفاوضا يسمع القران فيهتز اهتزازا لأن ذوقهم باللغة كان رفيعا ومعرفتهم بالبيان كان عميقا.

فهذا الوليد بن المغيرة وهو من سادات قريش يقول في القرآن الكريم “والله لقد علمنا الشعر والسحر والكهانة والله ما هو شيء من ذلك وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق”.

وكان سادة قريش يأتون يسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلوا القرآن الكريم لأنهم علموا وهم أهل الشأن أن هذا الكلام فوق العادة وأن البشر لا يستطيعون الإتيان بمثله واستسلموا للتحدي في أنه لن يستطيع أحد الإتيان بسورة من مثله والتحدي لازال مستمرا لكل شعوب الأرض وثقافات الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فهذا الذي جاء به هو المسلك النوعي ولقد بعث الله نبيه موسى بالعصا لأن الفراعنة كانوا قد برعوا في السحر وبلغوا فيه مبلغا عظيما فلما ألقى موسى عصاه فإذا هي تلفق ما يافكون فطاشت السجلات ولم يبق إلا اسم الله الأعظم وما دل على وحدانيته وطارت الأوهام سرابا فألقي السحرة ساجدين مقرين بالحق الذي جاء به موسى وهارون ولم يبالوا بغضب الفرعون ولا زبانيته لأن السحرة هم أعلم بالسحر فإذا كان سحرهم يخيل إليهم أنها تسعى فعصا موسى ليست خيالا وإنما قضت على كل شيء من سحرهم الذي أتقنوه وعملهم الذي أوجدوه.

وأما معجزة سيدنا عيسى عليه السلام فكانت إبراء للأكمه وهو الأعمى خلقة وهو أشد أنواع مرض العمى وكذلك الأبرص بل وهبه الله إحياء الموتى بين أقوام برعوا في الطب وبلغوا فيه مبلغا كبيرا فجاءت المعجزة على سبيل التحدي في أن تعارض وهي أمر خارق للعادة.

فكان القرآن معجزة عظيمة لأئمة اللغة وأرباب البيان وهو أعظم أنواع التحدي فلم يستطع أساطين العرب أن يأتوا بشيء من ذلك.

وكان القرآن معجزة لليهود والنصارى في بيان دقائق أسرارهم التي لا يعرفها إلا كبار الاحبار وعظماء الرهبان.%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-15

وكان القرآن معجزة لأهل التواريخ فذكر لهم من الأسرار والحقائق التاريخية ما لا يعرف بعضه إلا أهل البراعة والدراية، وكان القرآن معجزة في التشريع والعدل والحكمة والرحمة بما لا قبل لأهل القوانين والسياسات من الإتيان بمثله وكان القرآن معجزة للبشر أن وضع أصولا عظيمة وأسسا كبيرة انبنى على ضوئها ميزان الحق والعدل للناس أجمعين من ذلك أنه أعلن أن العبيد من بني آدم لا كما احتقرتهم كل الفلسفات الوضعية والأفكار البشرية ولم يصف أحد من هؤلاء جميعا كما وصف القران الكريم أن العبيد كالأحرار والسود كالبيض والرجال كالنساء من حيث الحقيقة البشرية والأصل الواحد ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

كما أن المرأة التي كانت محط نقاش بين الفلاسفة والمفكرين هل هي شيطان أم إنسان أم هي كائن شرير تعد سببا لكل مآسي الإنسان، أبطل القرآن الكريم كل هذه الأوهام وأعلنها صرخة مدوية أن المرأة كالرجل سواء بسواء من حيث البشرية وأن الجميع من بني آدم وأن آدم من تراب وحطم القرآن السلالات التي تزعم أنها سلالات إلهية أو أن بعض الأعراق هم أبناء الله وأحباءه {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ} ….. بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ…. بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ

إذا فالمسلك النوعي من الحجج الدامغة والآيات البينات.

فالذين يذكرون عن النبي عليه الصلاة والسلام الأكاذيب والافتراءات ويصفونه بأقبح الأوصاف وينفون عنه النصر والتمكين بالحق وأنه بلغ درجة من المجد والعز لم يبلغها غيره حتى من أولى العزم من الرسل على فضلهم الكبير ودرجتهم الرفيعة فهؤلاء يريدون حجب الشمس بالنباح وخسف البدر بالنهيق لأنهم لا يملكون حجة في أقوالهم وقد أصبح الكذب تجارة يسوقونها حيث ما حلوا وارتحلوا ولكن الزيف إلى زوال ولا يثبت إلا ما كان حقا صراحا.

قال اركون العلماني الجزائري أستاذ السربون دفين مقبرة الشهداء بالدار البيضاء: “إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلا عاديا وعاش حياة طبيعية وإنما اضفى عليه اتباعه من بعده الأساطير فأصبح الآن يذكر بهذه المعاني الكبيرة يجعل الأوهام حقائق والسراب علما ويحرف الكلم من بعد مواضعه دونما حياء أو خجل ويدعي أنه امتلك المناهج العلمية والبحث الدقيق”.

فنحن نسأل هذا الرجل الذي يحسب نفسه عظيم العالمنيين وكبير الباحثين وأنه مدرس للدنيا في المناهج الاستشراقية قل لأصحابك وتلامذتك ومحبيك أن يضفوا عليك هذه القداسة الاسطورية وأن يشعروا الناس بأنك المخلص الذي لا نظير لك، أما علمت وقد وراءك التراب ودخلت إلى عالم النسيان وأنه لا يؤبه لك ولن تهتز شوارع الدنيا احتجاجا عليك إذا كنت في صورة كاركاتورية ولن تقوم الدنيا ولن تقعد إذا كنت موضوعا في فلم فتنة بل لن يهتم بك أحد البتة ولن يشتغل أحد بك حيا أو ميتا مع أنك كنت تحسب نفسك نادرة من نوادر الفكر وباحثا لم تعرف الأمة العربية أعمق منك فإذا بك في الحقيقة سراب في سراب.

وهذا عصيد الذي ذكر حديث “أسلم تسلم” على أنه إرهاب وإن كان التائه ليس في العير ولا في النفير لأنه لا يملك ثقافة ولا يذكر بعلم لكنه عرف بجرأة وقحة وسوء أدب ولم يعلم الصغير أن في هذه الأمة ممن امتلأت قلوبهم بمحبة النبي عليه الصلاة والسلام محبة عظيمة قائمة على الحجة والبيان مبينة على الدليل والبرهان ممن هو اجرأ منه في الحق وأشجع منه في النصرة وأنه في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يبالي بنفس ولا أهل ولا مال ولا ولد.

فلهذه الأمة رجالها الذين لا يسمحون في حق النبي عليه الصلاة والسلام قيد أنملة حتى لا يظن الخونة والعملاء أن الجو قد خلا لهم هيهــــــات …..هيهـــــــــــات.

عجيب أمر هؤلاء السفهاء كيف يجعلون الشيء العظيم تافها فيجعلون رسائل العز إرهابا ومواقف المجد طغيانا وكيف يجعلون الجلاد ضحية والأمين خائنا والصدوق كذوبا أم كيف يكون هذا القول العظيم وهو من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، هذا الكلام كيف يعد إرهابا يا عصيد وكل أمة في أزمان الحرب وأيام الصراع تحث شعوبها على الاستعداد والقوة وتحذرها من الذل والمهانة وخاصة لما كانت فارس والروم وأمثالهم لا يبالون بالمستضعفين ولا يلتفتون إلى المغلوبين كانوا أصحاب بطش وجبروت وقهر وإبادة فيكون هذا القول “أسلم تسلم” عزا لا نظير له أمام هؤلاء الطواغيت والجبابرة وكان أعلاء للمستضعفين حتى تخافهم ملوك بني الأصفر التي كانت تعتبر هذه الأمم المستضعفة عبيدا عندهم فيتحول الأبطال العظماء الذين غيروا وجه التاريخ الذي كان سائرا إلى الهاوية ليسلك مسلك العز والمجد يعتبر الأقزام هؤلاء الأبطال إرهابيين وهؤلاء المنقدين للبشر من الضياع معتدين في الوقت الذي تعتز كل أمم الدنيا بأبطالها التاريخيين والفاتحين العظماء مما لو أشار أحد في بلادهم بالتنقيص منهم لرمي بالخيانة واتهم بالعمالة.

أما عصيد وأمثاله وأركون وأشباهه فهم يذكرون عظماء الأوروبيين والسفاكين من الصهاينة بالذكر الجميل والمدح الواسع…

فوا عجبا …ووا عجبا …. ووا عجبا ……

لكنها العمالة والخيانة والغدر والدياثة والسقوط تجري في دماء الأقزام وسلاحهم الكذب والبهتان والافتراء والإفك المبين لأن طريق الأقزام مسدودة ويخفون هزائمهم النكراء وفشلهم الذريع في الصاق التهم بالأبرياء وتزوير التاريخ وطمس الحقائق وإسقاط الرموز والطعن في المصادر والأصول …..رمتني بدائها وانسلت.

وفي هذا المسلك والذي قبله نحن في انتظار بحوث علمية دقيقة فيها إثبات خلاف ما ذكرنا أو نفي خلاف ما أثبتنا بالحجة والبرهان فلا نقمع أحدا ولا نمنع رأيا ولا نبعد وجهة نظر إذا كان الكلام بدليله والقول بحجته لأننا مقتنعون يقينا بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم إنسان وأنجح إنسان وأفضل إنسان وأن الأرض لم يطاها من هو مثله فضلا أن يكون أعلا منه وهذه ليست لغة العاطفة ولا أساليب الخطب فلنا أدلتنا القطعية وحججنا البينة.

أما التلاعب والمراوغات والكذب والاستعداء والتآمر والاستنجاد بالمنظمات المشبوهة وتحريك الملفات بالتزوير كلها أساليب ساقطة لا تقف أمام المد العلمي والسير الفكري والمنهج الدقيق والأسلوب العميق وسنزيد هذه الأمور بيانا لأننا بفضل الله ورحمته وقف لله تعالى في نصرة نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا هم لنا إلا ذلك ولا شغل لنا إلا بالذب عن شخصه الكريم وسيرته العطرة وأعماله الجليلة وخدماته الكبيرة.%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d8%a1-227%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-15-16

ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.

كتبه أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه والمسلمين يومه الثلاثاء رابع وعشرين محرم الحرام سنة ست و ثلاثين وأربعمئة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الموافق 18 نونبر 2014.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *