الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 02 : تعريف السلفية ونشأتها

السلفية 02 : تعريف السلفية ونشأتها

السلفية في اللغة هم الأقوام السابقون فكل من سبقك فهو سلف لك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنته الزهراء:  “نعم السلف لك أنا”.

والسلفية في الاصطلاح هي اتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين في طريقتهم وسلوكهم ومناهجهم وأساليبهم أي أن نفهم الكتاب والسنة بفهم السلف فقد نقل الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان الكتاب الكريم للمسلمين ونقلوا السنة النبوية الصحيحة من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلقية والخُلقية وما هم به عليه الصلاة والسلام نقلا مفصلا دقيقا كما نقلوا فهم الكتاب والسنة فهما دقيقا وفقها سليما فلم يكن أحد منهم يعلم الناس القرآن ويزعم أنه لا يفهم معناه أو يروي السنن النبوية الصحيحة ويدعي أنه يروي ما لا يفهم ويخبر بما لا يعلم فهذا محال في من ينتسب إلى العلم الشرعي انتسابا صحيحا فضلا عن أن يكون من المعادن النفيسة أو المنابع الصافية.

فالسلف الصالح من الصحابة والتابعين نقلوا العلم النافع الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ورعاية وهداية.

فالذي يقول من المعاصرين بأن السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهبا إسلاميا فهذا يردد قول المتأخرين بأن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم وهذا الكلام فيه من التناقض والاضطراب ما يعرفه المبتدئون في طلب العلم فضلا عن الراسخين وأهل المعرفة.

فهل هذه المرحلة الزمنية المباركة كان أصحابها علماء وفقهاء وقضاة عدل وأئمة رشد وخلفاء نبوة أم كان أصحابها أناسا مباركين طريقتهم أسلم وهم أهل خير وعبادة وصدق لا علاقة لهم بالفقه والاجتهاد والاستنباط والمعرفة بأسرار الشريعة؟

وإذا أراد أحدهم أن يتأدب مع السلف قال لقد شغل الصحابة والتابعون بالجهاد لخدمة الحق ونصرة الدين فلم يتفرغوا لتحرير العديد من المسائل العلمية والعملية.

وهؤلاء الناس جميعا إما أنهم لا يعرفون الصحابة ولا يدركون من هم التابعون وإما أنهم لا دراية لهم بالعلم والفقه والتأويل والاجتهاد وهما أمران أحلاهما مر.

فالصحابة أهل لغة وبيان وأصحاب علم ومعرفة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فتعلموا منه العلم وفقهوا منه السنة وشهدوا التنزيل وعلموا التأويل وعاشوا الاسلام في ظل الخلافة الراشدة ورأوا الأحكام تطبق في القضاء الشرعي وأسسوا المدارس الأساسية في القراءات والتفسير والحديث والفقه واللغة وسائر علوم الإسلام.

فمدرسة مكة كان فيها عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وجمع من الصحابة وتلامذتهم وهم كبار علماء التابعين كطاووس وسعيد بن جبير وعطاء بن رباح وابن جريج.

وفي المدينة النبوية كان الخلفاء الراشدون وبعدهم عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وجمع من الصحابة ورث علمهم الفقهاء السبعة وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو أخ عبد الله بن مسعود وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وهؤلاء فقهاء عظماء أعمدة للفقه وأساطين للحديث ورث علم هؤلاء جمهرة كبيرة من العلماء تتلمذ عليهم إمام الأئمة وزينة الأمة مالك بن أنس بن مالك الأصبحي رحمه الله ورضي عنه ورفع درجاته في الجنة.

وكذلك في البصرة تلامذة أنس بن مالك و بعده محمد بن سيرين والحسن البصري ثم شباب البصرة المشاهير وهم أيوب السختياني وابن عون وأبو قلابة الجرمي وغيرهم من فقهاء البصرة.

 ثم في الكوفة كان عبد الله بن مسعود وتلامذته النخعيون وهم فقهاء الكوفة العظماء وكان بها علماء وفقهاء وقراء وأئمة اللغة وفطاحلة النحو وجهابذة الشعر وما إلى ذلك وهكذا كان الأمر في الشام ومصر وفي ما وراء النهر من بلاد العجم وفي سائر الأمصار من علماء الصحابة وفقهاء التابعين.

فهي ليست مرحلة زمنية مباركة فقط بل كانت زمن الخير والعبادة والزهد والجهاد والعلم الدقيق والفقه العميق.

فالسلفية علم و أصول و قواعد و ضوابط.

فالكلام عن السلفية يقتضي معرفة المصطلح لغة واصطلاحا ثم يجب دراسة تاريخ السلفية منذ النشأة ومعرفة الأطوار والظروف والأحوال كما أنه يلزم للتحقق من معرفة حقيقة السلفية دراسة رجالات السلفية وأعلامها عبر التاريخ.

وفي الختام يجب الوقوف مليا أمام القواعد والأصول والضوابط والحقائق التي تقوم عليها علوم السلفية مع دراسة المصادر الأصلية في باب العقائد والتوحيد وكتب الحديث ومؤلفات الفقه على طريقة أصحاب الأثر لندرك فهم السلف للكتاب الكريم والسنة المطهرة لأن فهم السلف للكتاب والسنة هو السلفية.

تاريخ السلفية و نشأتها

فبالنسبة لدراسة تاريخ السلفية ونشأتها فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الطيبة ولا يقدمون بين يديه ويتعلمون منه ويفقهون مراد الله ومراد نبيه وقد كلفهم بالقضاء وتعليم الناس ونشر القرآن وهذا الزمن كان يسمى زمن التشريع لأن القرآن كان ينزل والنبي صلى الله عليه وسلم يفسر القرآن ويخصص عامه ويقيد مطلقه ويفصل مجمله ويبين مشكله وكان يسن السنن النبوية على سبيل الاستقلال فكان يقول صلى الله عليه وسلم أوتيت القرآن ومثله معه وإنما حرم رسول الله كما حرم الله.

فحرم صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير كما أنه حرم من الرضاع ما يحرم من النسب وأن تتزوج المرأة على خالتها أو عمتها وحرم الحمر الأهلية وما إلى ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة.

وبعد زمن التشريع جاء زمن الرواية وهنا علم الصحابة الأمة القرآن الكريم فجمعوا المصحف زمن الصديق وجمعوا الناس على مصحف إمام أيام عثمان ذي النورين رضي الله عنه وكل القراء العشرة تعلموا ممن تعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الرواية علم الصحابة التابعين رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والمكثرون من الرواية وهم أبو هريرة (5374 حديثا) وعبد الله بن عمر (2630 حديثا) وأنس بن مالك (2286 حديثا) وعائشة رضي الله عنها (2210 حديثا) وعبد الله بن عباس (1660 حديثا) وجابر بن عبد الله (1540  حديثا) وأبوسعيد الخدري (1170 حديثا).

وروى عن هؤلاء أئمة التابعين ثم جاء زمن التدوين فصنفت التصانيف وظهرت الكتب وألفت المصادر الرئيسية في جميع الفنون فكان الموطأ لإمام الأئمة تاج المصنفات الحديثية ثم جاءت بعده المصادر الذهبية لهذه الأمة وفي مقدمتها صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

وكذلك سائر الكتب الستة وغيرها كما صنفت كتب الفقه والسيرة وكتب القراءات والعربية وغيرها من علوم الإسلام ثم جاءت أزمنة التوسع في التصنيف ثم أزمنة الاختصار إلى أن آل الأمر إلى عصور الانحطاط وفيها شاعت الأحاديث الموضوعة والفقه الشاذ والاجتهاد الساقط وعمت القبورية والخرافة والشعوذة والدجل فكانت القطيعة بين المنابع الصافية التي كان عليها سلف الأمة والمستنقعات الآسنة التي كانت في أزمنة الجمود والانحطاط والضياع.

ثم جاء العصر الحديث فقامت يقظة تريد العودة إلى المعادن الأصيلة والمنابع الرفيعة وسط هذا الزخم من البدع والأهواء والضلالات والفتن والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالصحابة رضي الله عنهم واجهوا فتنا علمية عريضة فكان في عصرهم الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وهؤلاء هم أهل الأهواء والبدع فلما ظهر الشيعة تسمى الصحابة بالسنة ليتميزوا عن بدع أهل التشيع الذين تطوروا عبر التاريخ إلى روافض وقرامطة وغلاة إسماعيلية ونصيرية ودروز وآل ببعضهم الأمر إلى مجوسية وساسانية ولما ظهر الخوارج تسمى أهل الحق بالجماعة ليتميزوا عن الخوارج الذين استحلوا دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم فتبرأ الصحابة من الخوارج كما تبرؤوا من الشيعة ورووا في الخوارج أحاديث صحيحة في أنهم شر القتلى وأنهم كلاب أهل النار وتبرأ الصحابة من القدرية فقال عبد الله بن عمر كما في صحيح مسلم “أخبروهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني” وروى حديث جبريل المشهور وهو أول حديث في صحيح الإمام مسلم وظهرت المرجئة في أواخر زمن الصحابة و تبرأ التابعون من هذه النحلة واعتبروها هدما للدين وقال بن جبير “المرجئة يهود أهل القبلة” وكان سفيان الثوري يقول “دين المرجئة ثوب رقيق” أي سهل أن يمزق لأنه لا أساس له.

فتميز أهل السنة و الجماعة عن هذه الفرق الضالة والطوائف المبتدعة وهجروهم وبدعوهم وتبرؤوا منهم.

وظهرت المعتزلة أيام التابعين فكان أول من قام بنحلتهم واصل بن عطاء الغزال وكان جالسا في حلقة الحسن البصري فسأل سائل هل صاحب الكبيرة مؤمن أم كافر فقام واصل فقال هو في منزلة بين المنزلتين ثم قام إلى سارية في المسجد والتف حوله أناس فقال الحسن البصري “اعتزلنا واصل” فسموا المعتزلة أي اعتزلوا أهل السنة والجماعة.

ثم تتابعت الفرق والطوائف من الباطنية والجهمية وغلاة أهل البدع فبين علماء السنة والجماعة وفقهاء الملة والأثر ممن سلكوا مسلك الصحابة والتابعين من الأئمة المهتدين بينوا البدع والأهواء وهاجموا ذلك وحذروا الأمة من التبديل والتغيير والتحريف والزيادة والنقصان والابتداع والأهواء.

وبعد قرون الخير وزمن العلم وسلطان التقوى والفقه عن الله ورسوله والعلم النافع الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في أهل السنة والجماعة من تأثر بهذه البدع والأهواء ومن فتن بالعقل اليوناني أو الزهد عند أهل فارس والهند والمبالغة في فقه الرأي المذموم والقياس الفاسد أو أصحاب سياسات فارس والروم ومن أدخل الإسرائيليات الباطلة والأحاديث الموضوعة ومن تعمد إفساد الدين وترويج الباطل وبرزت أسواق الخرافة والدجل والشعوذة والسحر وعبادة القبور ونشر الأساطير فكان لزاما على أهل الحق ممن ورثوا عن الصحابة والتابعين والأئمة الهداة المهتدين الحق المبين أن يتميزوا بهذا الميراث الصافي وبهذا العلم الزكي الطاهر الذي لم يلوث لا من قريب ولا من بعيد بالأهواء والبدع والفتن والضلالات فهؤلاء هم السلفيون الذي سلكوا مذهب السلف الصالح والتزموا فقه الصحابة والتابعين ولم يزيدوا ولم ينقصوا ولم يبدلوا ولم يغيروا وإنما حافظوا على هذا الميراث الزكي.

فالسلفية ميزان لاتباع السلف الصالح ومنهج في الفقه على طريقة الصحابة والتابعين وعلامة مميزة عن أهل البدع والأهواء.

فإن قيل لقد كان اسمهم أصحاب الحديث وأهل الأثر فلماذا تسمونهم بالسلفيين ؟

لما فسدت مناهج العديدين ممن ينتسبون للسنة والجماعة تسمى أهل الحق بأهل الحديث وفقهاء الأثر لكن لما أصبح من أهل الحديث من ذوي الصناعة الحديثية ممن يتقن الحديث لكنه يسلك مناهج من تأثر بأهل الأهواء والبدع وجب التمييز فيقال هذا من أصحاب الحديث وفقه الأثر رواية ودراية ورعاية وهداية أي يسلك سبيل السلف الصالح ويعتقد معتقدهم ويلزم طريقتهم ويفقه الدين على مناهجهم ويجتهد وفق طرائقهم إذا فهذا سلفي وغيره من أصحاب الحديث على سبيل الصناعة ممن يخالف طرائق السلف ومناهج الصحابة والتابعين فهذا وإن كان محدثا فهو ليس سلفيا فكلما أراد أصحاب الأهواء والبدع خلط الأوراق ونشر البلبلة واجههم أهل الحق بالبيان والتميز وصفاء الراية ونقاء الوجهة.

أما أن يستغل هذه الكلمة المباركة من يريد تحريفها ظلما وفتنة الناس بغير حق فيخلط بين السنة والبدعة ويلبس الحق بالباطل ويجعل التوحيد والقبورية سواء والصحيح والضعيف سيان والنور والظلمة أمرا واحدا فهذا من البهتان الذي حرمه الله ورسوله ومن الإفك المبين والمشاقة لله ورسوله.

فالسلفية منهاج مستقيم واضح بين و سنذكر تفصيلا لهذه الأمور وغيرها بتوفيق الله في دروس مقبلة.

الشعراء 226البقرة85البقرة75البقرة79-80ال عمران 78

المائدة62

و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و آله و صحبه و من سلك مسلكه و اقتفى أثره نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه و كرمه.
و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
حسبي الله نعم الوكيل
و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد

إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب.

كتبه أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
في 29 جمادى الثانية 1436 هجرية الموافق ل 19 أبريل 2015

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *