الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 04 : السلفية هم أصحاب الحديث وأهل الأثر

السلفية 04 : السلفية هم أصحاب الحديث وأهل الأثر

إن الإسلام ملة ربانية

أنزل الله كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويأتي في مقابل هذه الملة الشرائع السماوية السابقة وهي اليهودية والنصرانية وهي شرائع غُيرت وبُدلت وحُرفت ونُسخت.

كما يأتي في مقابل هذه الملة الإسلامية الأديان الوضعية كالبوذية والكونفوشيوسية والمجوسية وما إلى ذلك من الأديان الباطلة التي لم يبعث بها الله نبيا ولم ينزل بها كتابا.

فإذا كان كلامنا عن الملل فالإسلام هو الملة الحق وهو الدين الصادق وهو الشريعة الناسخة وهو الحق المبين
أما إذا كان الكلام عن النحل فأهل السنة والجماعة هم النحلة الحق والفرقة الناجية والطائفة المنصورة
وذلك أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا حول النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن لهم من نحلة إلا متابعة النبي عليه الصلاة والسلام حذو القذة بالقذة فما بدلوا ولا غيروا وما زادوا وما نقصوا.

بل سلكوا طريق الجادة ولم يعرفوا بالبدع ولا بالأهواء ولم يكن لهم اسم إلا الإسلام ولا رسم إلا الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز في الإسلام انتحال اسم أو التزام رسم من حيث الابتداء لكن لما ظهرت الأهواء والبدع وجب أن يتميز أهل الحق عن أهل الباطل بالاسم والرسم.

لقد ظهر في أيام الصحابة أصحاب البدع وأهل الأهواء وهم الشيعة فقابلهم الصحابة باسم السنة ليتميز أهل الحق:الأنعام 56

ثم ظهر الخوارج فتسمى أهل الحق بالجماعة فأصبح اسم السنة و الجماعة عنوانا لأهل الحق:الأنفال 37

فظهر الاسم و كان يحمل الرسم وهو الأصول والقواعد والضوابط والأسس لأهل السنة والجماعة وظهر أيضا القدرية والمرجئة وهم فرق خارجة عن أهل السنة والجماعة.

و في زمن التابعين ظهر المعتزلة أيام الحسن البصري على يد واصل بن عطاء الغزال فقال الحسن البصري “اعتزلنا واصل” أي اعتزل أهل السنة والجماعة فلُقبوا بذلك وظهرت نحل عديدة وفرق كثيرة تنتمي إلى هذه الفرق الكلامية الأم التي ظهرت زمن الصحابة والتابعين فكان اسم أهل الحق أهل السنة والجماعة وكان الرسم هو لزوم الكتاب الكريم والسنة الصحيحة بفهم السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون.

وبعد زمن الخير والقرون الفاضلة دخل إلى أهل السنة والجماعة سموم البدع وجراثيم الأهواء فوجب التميز عن الباطل وأن يظل الحق ناصعا فلا يلبس بالباطل ولا تختلط المحكمات بالمشتبهات فوضع أهل الحق مناهج لبيان فهم الصحابة و التابعين للكتاب والسنة.

فالملة الإسلام و النحلة السنة و الجماعة.

فما هو المنهاج بعد تسلل الفتن إلى مذهب أهل الحق ؟

فإذا كانت الملة هي الشريعة المنزلة وإذا كانت النحلة هي أصول الاعتقاد ولزوم طريقة الصحابة والتابعين من غير تبديل ولا تغيير في كل ما يهم الأمة في أمر دينها ودنياها فالمنهاج هي طرائق الفهم وأساليب الاستنباط ووسائل الاجتهاد فكان منهاج أهل الحق هي طريقة أهل الحديث وأصحاب الأثر فقد ينتسب إلى السنة والجماعة بعض المتكلمين ورجال من أهل التصوف وفقهاء من أصحاب الرأي وقد ينتسب غيرهم إلى السنة والجماعة ويمتازون عن أهل الفرق الخارجة عن جماعة المسلمين بتعظيمهم للوحي ومحبتهم للصحابة وإقرارهم بكتب الحديث ومعرفة قدر الأئمة كالبخاري ومسلم وبغضهم لأعداء السنة والجماعة لكن لا يسلمون من الكثير من السموم التي تسللت إليهم من أهل الأهواء والبدع ولاسيما بعد تباعد زمن الخير ونسيان الناس أحوال السلف فوجب أن يتبين منهاج أهل الحق.

فأهل الحديث وفقهاء الأثر ومن سلكوا مسلك السلف الصالح ما غيروا ولا بدلوا ولكنهم سلكوا مسلك الصحابة والتابعين وفهموا مراد الله ومراد نبيه كما بينها لهم أعلم الناس بالكتاب والسنة وهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

فعندما نتكلم عن مناهج البحث وطرائق الاستنباط وأصول الفهم فالسلفية هي التزام الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من غير ابتداع أو تحريف.

فمثلا على مستوى الملة … فاليهود والنصارى في شريعة الاسلام كفار لأنهم لا يومنون بكتاب الله ولا بأن نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رسول مبعوث من عند الله إلى الخلق أجمعين.

وعلى مستوى النحلة … فالخارجون عن أهل السنة والجماعة يخالفون أهل الحق في أصول الاعتقاد.

وعلى مستوى المنهاج … فأهل الحديث يخالفون غيرهم ممن ينتسبون إلى السنة في طرائق الفهم وأساليب الاستنباط.

فالخلاف مثلا بين أهل السنة والجماعة وأصحاب الفرق في الأصول فهم لا يعترفون بالسنة مصدرا من مصادر التشريع والبخاري عندهم بخار في الفضاء  ويقولون عن فهم الصحابة هم رجال ونحن رجال بل بعضهم يعد الصحابة أعرابا جفاة لا فقه عندهم ولا فهم.

وقد قال بعض أئمة الاعتزال في الصحابة أنهم أعراب بوالون على أعقابهم وقال الشيعة في الصحابة إنهم كفار ومنافقون مرتدون ومخادعون ووصفت الخوارج الصحابة بأقبح الأوصاف وأرجأت المرجئة أمر الصحابة إلى الله وهدى الله أهل السنة والجماعة وحدهم دون غيرهم من الفرق الضالة إلى تعظيم الصحابة ومحبتهم وإكرامهم ومعرفة أقدارهم وأنهم النقلة المأمنون والفقهاء الصادقون والربانيون المخلصون والمجاهدون المخلصون …

والصحابة فرقان بين أهل الحق والباطل وعلى قدر محبة المرء للصحابة واتباعهم والتأسي بأخلاقهم وفهم الدين على طريقتهم كان المرء على الصراط المستقيم.

ففي مباحث الأسماء والصفات وأمور الاعتقاد والنبوات والمعاد والإمامة والقول في الصحابة تجد تباينا واسعا بين أهل الحق وغيرهم من أهل الأهواء والبدع.

فأهل السنة والجماعة يلتزمون الوحي والسنة النبوية بالقواعد الرصينة أما المتكلمون والمعتزلة فيعتمدون الفلسفة اليونانية أصلا من الأصول العظيمة وأن العقل اليوناني والحكمة اليونانية تحكم على الوحي والنص والحكمة (الفلسفة) مقدمة على الشريعة.

 فقول الله تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فالعرش عندهم كناية على الملك والاستواء محال في العقل اليوناني فأصول الاعتقاد عند المعتزلة والمتكلمين ليست الوحي والسنة الصحيحة وفهم الصحابة والتابعين بل هو العقل اليوناني والحكمة اليونانية ودين المعتزلة التعطيل المحض.

وهكذا أصول الشيعة في عصمة الأئمة وأن قولهم يفسر القرآن الكريم وأن السنة ما كانت في كتبهم وهي مليئة بالأحاديث الموضوعة والأساطير والأوهام بل إذا نقلوا كلاما عن أحد الأئمة المعصومين قدموه على الوحي المنزل.

وأئمة أهل البيت رضوان الله عليهم برآء من هذا الزيغ والباطل والشرك والضلال فأئمة أهل البيت أتقياء صالحون مصلحون ولكنهم ليسوا معصومين وإنما المعصوم جدهم المصطفى وحده فأصول الشيعة مبنية على عقائدهم المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة ومآل مذهب الروافض إلى المجوسية والساسانية وتعظيم العنصر الفارسي ويختفون وراء التشيع ومحبة أهل البيت زورا وبهتانا.

وكذلك أصول الخوارج التي تكفر بالكبيرة وتستحل الدماء ولا يعترفون بالسنة النبوية ويكفرون جمهرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهب الخوارج يؤول إلى الفساد العريض والفتنة العظمى فيقتل أهل الإسلام و يترك أهل الأوثان وهذا بلاء عظيم ولهذا وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم كلاب أهل النار.

وكذلك أصول المرجئة التي تخرج العمل من مسمى الإيمان وتجعل الإيمان هو التصديق والكفر هو الجحود مما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي تجعل دينهم رقيقا فيختلط في أصولهم الحابل بالنابل والحق بالباطل ويشيع الفساد وتكثر المعاصي ويسب الرب ويطعن في النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويسجد للأصنام وتمزق المصاحف وأهل الإرجاء يقولون في أئمة الكفر إن إيمانهم كإيمان جبرائيل وميكائيل كما قال سعيد بن جبير “المرجئة يهود أهل القبلة”.

وأصول القدرية وهي طعن في الربوبية والوحدانية وأن الله لا يعلم ما كان وما يكون وأن الأمر أنُف وأن العباد يخلقون أفعالهم وهذا شرك في الربوبية وتنقيص من الباري جل وعلا فالقدرية مجوس هذه الأمة تعالى الرب عما يقول الزائغون علوا كبيرا.

وقد قال الله تعالى:الأنعام 160الأنعام 154

فتميز أهل الحق عن هؤلاء المبطلين بالتمسك بالكتاب الكريم الذي أنزله رب العالمين على نبيه الأمين الذي أوضحه غاية الإيضاح وبينه تمام البيان وفهم عنه الصحابة فهما دقيقا وبلغوه تبليغا أمينا وعلموا التابعين كل شيء يهمهم في أمر دينهم ودنياهم تعليما صحيحا فكان فهم السلف للكتاب والسنة هو الحق المبين.

وفهم السلف للكتاب والسنة فهم شرعي أصيل لم يتأثر بأي عوامل خارجية ولا ثقافات أجنبية سواء من علوم الأوائل كفلسفة اليونان ولا قوانين الرومان ولا غنوصية ولا إشراقية أهل فارس والهند ولا إسرائيليات اليهود والنصارى ولا ما نقل عن العرب في الجاهلية ولا موروثات الفراعنة ولا ثقافات أهل العراق ولا حضارات بلاد الشام ولا غيرها من علوم الخلق وإنما تعلموا من الوحي المنزل والقدوة العظمى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ففهم السلف للكتاب والسنة أصيل غير دخيل مستقل لا تابع نقي ليس بمخلوط وطاهر زكي لم تشبه أي شائبة.

وهذا بخلاف ما عليه أهل الأهواء والبدع فقد تأثروا بعلوم الأوائل وجعلوها أصولا يفهمون بها الكتاب والسنة وفتنوا فتنا عمياء وأصبح ظاهر كلامهم الشرع وباطنه الهوى.الجاثية 17

كما أن فهم السلف للكتاب والسنة يقوم على علم أصيل وفقه دقيق فقد عاشوا التنزيل وشهدوا المشاهد وهم العرب الخلص الذي نزل الكتاب بلغتهم فهم أفهم الناس للكتاب المنزل وأعرف الناس بمراد سيد الخلق وهم أهل الصلاح والتقوى والجهاد والإخلاص فقد فاقوا كل من جاء بعدهم في العلم والفقه والمعرفة والدراية كما أنه لا يلحق بهم جيل في العبادة والزهد والاستقامة ومعرفة الرب فقد جمعوا كل خصال الخير ففهمهم هو الفهم السليم وفقههم هو الفقه الصحيح والمأثور عن الصحابة والتابعين في المصنفات الحديثية في أمور الاعتقاد ومسائل الفقه الشيء الكثير والفقه العريض والعلم الواسع والاجتهاد الأصيل.الحج 44النمل 81-82-83

و كل من خالفهم فهو على غير الصراط المستقيم.يوسف 108

وورث أصحاب الحديث وأهل الأثر هذا المنهاج أي قواعد الفهم وأصول الاستنباط وطرائق الاجتهاد فما بدلوا ولا غيروا.

وأصحاب الحديث أخدوا الرواية عن خيار التابعين من أهل العدالة والأمانة والديانة والإتقان وهؤلاء رووا السنة عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وهم العدول الثقات الأمناء الذين شهد القرآن الكريم لهم بالفضل والعدالة والخيرية وفي السنة الصحيحة أنهم أمنة هذه الأمة فإذا ذهب أصحابي جاء أمتي ما يوعدون وخير الناس قرني فهم خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ولن يلحق أحدهم بركبهم ولن يستطيع أن يحقق جزء مما أدركوه رضوان الله عليهم ولو أنفق أحد الناس مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه.

والسلف نقلوا لنا العلم وبينوه لنا بيانا واضحا فنقلوا التنزيل وبينوا التأويل ورووا السنة الصحيحة وأوضحوا معانيها الدقيقة فلم يكن هذا الجيل العظيم لينقل شيئا وهو لا يفهمه أو أن يسمع التابعون ومن جاء بعدهم نصوصا لم يعوا أسرارها، يشهد على ذلك تبويبات المحدثين وتراجمهم وتعليقاتهم وشروحهم وبياناتهم ومؤلفاتهم المستقلة في كل باب من أبواب العلم بل ألفوا في قضايا جزئية مصنفات نافعة مباركة تدل على سعة العلم و عمق الفهم وإدراك مقاصد الشرع وأن كل ذلك ينبني على أصول دقيقة وقواعد متينة.

فالسلف أئمة الدين في العلم والعمل والفقه والزهد والأمر والنهي والجهاد والتقويم وهم أعلم الناس بكتاب الله وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

ومما يؤسف له أن بعض من ينتسب إلى السنة والجماعة ممن يحبون السنة ويعظمون الأئمة ويريدون دحض الباطل قد تسللت إليهم في مناهجهم سموم أهل البدع وفتن أصحاب الأهواء.

فمثلا تجد عند المتكلمين ممن ينسب إلى السنة وقد بدل وغير يقول : نَصِف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله إتباثا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل فيظن من لا دراية له بمناهج أهل الحق أن هذا الكلام لا غبار عليه لكنك إذا ولجت معه مناهج الفهم وطرائق الاستنباط وجدته معطلا أو متأولا محرفا أو مفوضا للكيفيات والمعاني وهذا كله مما يخالف كلام السلف الصالح في التوحيد والإيمان وسرعان ما تهيج سمومه ويصف أهل الحق بالتجسيم والحشوية والحرفية والجمود وينعتهم بأقبح النعوت لأن مناهج المتكلمين تقوم على أفهام باطلة مخالفة لمنهاج أهل الحق الذين سلكوا مسلك السلف الصالح ونهجوا منهجهم وتتبعوا آثارهم وحفظوا الدين كما بلغه السابق للاحق وأداه الأول للآخر.النساء 58المؤمنون 8

وقد تجد الصوفي يحب كتب الحديث ويقول نريد السنة، وقد تجد في أقوال أئمة الصوفية من يذكر إننا لا نقبل عملا إلا إذا كان على السنة وإننا نريد إحياء المنهاج النبوي في التزكية والسلوك والطهارة والتربية لكن عند التحقق تجد أن التجربة والذوق والوجد والإلهام والتجليات والكرامات وتقديم أقوال الشيوخ على فهم الصحابة والتابعين وأن الوظائف مبتدعة والأذكار مخترعة وغلاتهم أهل حلول واتحاد ووحدة للوجود وعبادة للشيوخ وما إلى ذلك من المصائب العظيمة والبدع الغليظة فلا يغرنك عند المتكلمين ولا عند الصوفية ما يذكرونه من أقوال أو ينسب إليهم من أصول فهي كلمة حق يراد بها الباطل أي مناهج فاسدة وأصول للاستنباط مخالفة وأفهام هي من أقوال الرجال العارية عن الدليل المخالفة لفهم سلف الأمة وأئمتها من الصحابة الكرام وسادة التابعين والأئمة الهداة المهتدين.

وفي مسائل الفقه تجد عند الكثيرين ممن ينتسبون إلى الفقه في جميع المذاهب الأربعة وغيرها ممن يقول فقهنا مبني على الكتاب والسنة وإننا لا نريد أن نحيد على هذا الأصل الأصيل لكن للأسف الشديد عندما تراجع كتب متقدميهم فضلا عن متأخريهم الذين شطوا بعيدا حتى خالفوا أئمتهم ومذاهبهم وشيوخهم وأصولهم فضلا عن مخالفتهم الكتاب والسنة … فتجد عند المتقدمين أصولا في الفقه ومناهج في الاستنباط تخالف طريقة السلف الصالح مخالفة تامة ناهيك عن الاستدلال بالاحاديث الضعيفة والموضوعة وتحريف الأحاديث الصحيحة التي تخالف مذاهبهم ويصبح كلام أئمتهم أصلا تلوى من أجله النصوص وتحرف الأدلة حتى يردوا الكتاب والسنة إلى أقوال أئمتهم.ال عمران 7

ولقد قال قائلهم كل آية أو حديث يخالف ما عليه الأصحاب فهو مؤول أو منسوخ وأبعد غيره النجعة لما ذكر أن الحديث إذا خالف المذهب ما كان ليفوت الإمام وإذا فات الإمام ما كان ليفوت الأصحاب وكثير من هذا الكلام عند المقلدة الذين لا يعظمون كلام السلف ولا يفقهون علم الصحابة وإن لم يكن في هذا الكلام إلا أن المذاهب متعددة ومختلفة فكيف يكون الشيء في مذهب واجبا وفي آخر محرما وعند مذهب إنه مستحب وقول إنه مكروه ويزعم بعضهم أنه مباح بل في المذهب الواحد قد تجد هذه الأحكام جميعها على القول الواحد فكيف يكون الدين الحق مليئا بالتناقض وهو البيان المنزل والشريعة الطاهرة فلو رجع الناس إلى الكتاب الكريم وإلى السنة المطهرة بفهم سلف الأمة لنجت هذه الأمة من الاختلاف المذموم والتفرق المشؤوم والقول الباطل والشهادة على الله بغير حق.الروم 30-31

ال عمران 104-105

فلما اختلفت مناهج الناس بقي أهل الحديث على الأمر العتيق الذي هو المنهج البين بفهم السلف للكتاب والسنة فاتبعوا آثارهم و سلكوا طرائقهم ولم يمسخوا المنهاج الحق بعلوم الأوائل ولم يخلطوا بين الحق والباطل فبقيت طريقتهم ناصعة في النقل والفهم والاستنباط والعلم وكانوا أمناء على هذه الشريعة رواية ودراية ورعاية وهداية.

ثم خلفت من بعد ذلك خلوف من أهل الحديث أتقنوا الصناعة وألموا بعلوم الإسناد ومعرفة الرجال وكانت لهم مصنفات عظيمة في علوم الحديث ومروياته ولهم إطلاع واسع على هذا العلم النافع لكنهم تأثروا في أصول الاعتقاد أو في مناهج الفهم بأهل البدع وأصحاب الأهواء فكان لزاما أن يميز الحق من الباطل.الأنفال 42-43

فليميز أهل الحق من أصحاب الحديث الذين ورثوا فهم السلف الصالح عن أصحاب الصناعة الحديثية ممن فتن بأقوال أهل البدع وجب أن يقال هذا من أهل الحديث الذين لا زالوا على فهم السلف الصالح فاختصرت هذه الجملة في عبارة هذا سلفي ليميز عن صاحب الحديث الذي يتقنه صناعة وليس على طريقة فهم السلف الصالح فيقال صاحب حديث لكنه ليس سلفيا.

إذا فعبارة سلفي هي صاحب الحديث الذي له منهاج للفهم على طريقة السلف الصالح وهو الذي كان يسمى في الزمن الأول أنه من أهل السنة والجماعة خلافا لأصحاب الفرق الكلامية الضالة وهو الذي كان يسمى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابي فالإسم ليس مخترعا ابتداء بل هو جاء على سبيل البيان والتميز عن أهل الباطل والرسم هو المنهاج الحق لإبطال أقوال أهل البدع وللرد على رؤوس الفتنة.

سئل الإمام أحمد رحمه الله، قالوا له الصحابة لم يكونوا يقولون القرآن كلام الله غير مخلوق فقال هذا الحبر الكبير والعالم النحرير قالت الجهمية مخلوق قلنا غير مخلوق فإن زادوا زدنا أي بيانا للحق فإذا سكت أئمة الدين عن الرد عن المبطلين لخطبت الزنادقة على المنابر كما قال علماء الأمة.

وقد نهى سلف الأمة عن الخوض في مسائل الاعتقاد وأمور السلوك أي ابتداء أما إذا خاض أهل الباطل في مسائل الاعتقاد وخواطر الصوفية وجب الخوض في الرد عليهم لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إذا فمصطلح السلفية مصطلح شرعي لبيان الحق والتمييز عن أهل البدع وإذا زادوا زدنا حتى لا يلتبس على الناس الدين الحق ولا يشتبه فهم السلف بأقوال الرجال العارية عن الدليل فضلا عن الأقوال المخالفة للحجج الظاهرة كالشمس.

فموضوع الملة ليتميز أهل الاسلام عن الكفار.

وموضوع النحلة ليعرف أهل السنة والجماعة وهم أهل الحق عن أهل الأهواء وأصحاب البدع من الفرق الكلامية المخالفة لما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة الهداة المهتدون.

وموضوع المنهاج حتى ينجلي مذهب أصحاب الحديث الذين ورثوا فقه السلف عمن تأثر بأقوال الرجال ومذاهب الشيوخ المخالفة للحق المبين.

وموضوع السلفية لبيان ما كان عليه المحدثون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فما بدلوا وما غيروا ونقلوا بأمان وفهموا بإتقان وعملوا بإحسان وسلكوا مسلك النبي عليه الصلاة والسلام وأحيوا سنته واقتفوا أثره ولا يريدون بسنته بديلا ولا بطريقته صراطا وهو الدليل وكل من سواه يستدل له وهو يستدل به والسنة النبوية الصحيحة حجة بذاتها فلا تعرض على أصول الرجال ولا قواعد الشيوخ ولا أفهام الناس فضلا عن علوم الأوائل الممزوجة بالظلمات والمخلوطة بالضلالات وهي جهالات ووهميات أما السنة فهي نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

والذين يريدون عرض السنة النبوية على أصول الرجال وقواعدهم ومذاهبهم فيردون السنة الصحيحة أحيانا بأنها أحاد أو أنها تخالف القواعد القطعية أو أن فهم الأئمة للسنة مقدم عن فهم السلف ويقولون كلمة قبيحة في ميزان الشرع وهي أن مذهب السلف أسلم وأن مذهب الخلف أحكم وقائل هذا إما أنه لا يعرف من هم السلف أو لا دراية له بمذهب الخلف وهما أمران أحلاهما مر، وإذا تأدب بعضهم قال أن السلف شغلوا بالجهاد في سبيل الله وفي الدعوة إلى الله وتوحيده عن دراسة بعض الدقائق العلمية والأسرار الفقهية وهذا أيضا لا يعرف من هم الصحابة من حيث العلم والفقه والدراية والفهم كما أنه لا إطلاع له على اضطراب الخلف وتناقضاتهم ولعن بعضهم بعضا و تجهيل فريق الآخر.

فالسلفية حق وعلم وهداية وفقه ونور.التوبة 101الحشر 8-9

الفتح 18-19التوبة 118الفتح 29

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سلك مسلكه واقتفى أثره نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

حسبي الله نعم الوكيل
وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

كتبه أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
في 14 رجب 1436 هجرية الموافق ل 3 ماي 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *