الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 11 : السلفية والطرقية – الطريقة البودشيشية

السلفية 11 : السلفية والطرقية – الطريقة البودشيشية

هذه الطريقة الصوفية هي امتداد للطريقة القادرية، فشيخهم اليوم هو حمزة بن العباس وهو ابن المختار بن الحاج محي الدين بن المختار بن المختار الأول بن محمد فتحَا بن علي بن أبي دشيش الذي تنسب إليه الطريقة البودشيشية، وهو ابن محمد بن محمد بن محمد بن دخيل وهم من ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ينتسب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وهذا النسب لا يعرف في كتب الرجال ومصادر الأنساب في المؤلفات المغربية، كما أن الأجداد فوق بودشيش لا يعرفون في كتب العلم والمشيخات والأثبات وما إلى ذلك، وكان قبل حمزة أبوه العباس والعباس هذا كان مريدًا لأبي مدين بن المنور وهو من البيت البودشيشي، وكان هذا المريد أميًا لا يقرأ ولا يكتب ثم أصبح شيخًا لهذه الطريقة البودشيشية القادرية.

والطريقة القادرية في المغرب لها فروع كالدرقاوية والناصرية اللتين يشكلان معا فرعين مشهورين من فروع الشاذلية وإن الطريقة العليوية نسبة إلى (ابن عليوة) وهو مدفون في الجزائر فهي امتداد للدرقاوية والدرقاوية امتداد للقادرية وكذلك الطريقة الصديقية بطنجة امتداد للعربي الدرقاوي الذي يسمونه الدُّرُ القوي، وقد كان شيخ الطريقة العربي الدرقاوي رجلا أميًا كما كان الدباغ رجلا أمياً و الأمية ليست عيبًا لذاتها إذا اقتفى صاحبها الصراط المستقيم.

فالبودشيشية حسب زعمهم أن لها سندًا إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني فهي قادرية، وسند آخر إلى أحمد التيجاني، وسند ثالث إلى العربي الدرقاوي، فبومدين ابن المنور جمع المجد من أطرافه عندهم وهو شيخ العباس، أخذ التيجانية عن المهدي بالعربي السباعي وعن محمد بن موسى، كما أخذ الدرقاوية عن محمد الحلو وقد ذكروا أسانيدهم في ذلك، وبناء عليه فطريقتهم أعظم الطرق وأكملها والمتتبع لهذه الأسانيد يجد فيها المجاهيل، مجاهيل الأحوال ومجاهيل الأعيان، ومن عُرف في تلك الأسانيد يُعرف بالبدعة والمخالفة وبعضهم بالأمية والجهل. ومكان هذه الزاوية في مَداغ على الحدود المغربية الجزائرية قرب وجدة في الشمال الشرقي لهذا البلد الكريم.

وسأكتب في هذا البحث ما سمعته بالأسانيد العالية دونما واسطة وما رأيته رأي العين وما قرأته في كتب القوم وما ذاكرت فيه بعض من له إلمام بهذا الموضوع من المنتسبين إلى هذه الطريقة مع العلم أن هذه الأمور أصبحت واضحة في التقارير ودراسات عديدة مما يفيد القطع في عقائد القوم ومناهجهم وطرائقهم.

يقول عبد السلام ياسين عن قصته في علاقاته مع شيخه العباس ومع الطريقة البودشيشية ولئن اعتبروا أقوال هذا المريد عندهم باطلة لما آل إليه الأمر بينهم من الخلاف الشديد إلا أن قرائن عديدة وشهادات كثيرة تدل على صدق ما ذكر عبد السلام ياسين في حق الطريقة التي كان ينتسب إليها فقال : ظل الشيخ العباس في زاويته منفردًا مع قِلة من مريديه.

لم تكن هذه الزاوية مشتهرة ولا معروفة حتى التحق عبد السلام ياسين بهذه الطريقة سنة 1965 م وحج رفقة شيخ الطريقة العباس وكان عبد السلام ياسين رجلا مثقفا ثقافة حديثة واسعة وقد أسندت إليه مهام تعليمية وتربوية متعددة فكان ذا صلات واسعة بالعديد من المثقفين والباحثين والمفكرين فكان انتماؤه إلى الطريقة البودشيشية أحدث هزة عنيفة وحراكا واسعا انتمى فيه أناس عديدون إلى الطريقة البودشيشية وأصبحت مداغ مزارا مقصودًا من الناس بعد أن كان فضاء فارغًا.

العباس توفي سنة 1972م وقد كان هذا الرجل يقول لمريديه إن الطريقة الشاذلية التي كانت تسلك مسلك الجلال والخرقة والخلوة والتعبد الشديد قد أصبحت اليوم طريقة الجمال فخفف الله عن المريدين، وكان العباس يقول إنني حملت عنكم الخلوة وأصبحت الطريقة البودشيشية طريقة الجمال، ويستدل ابنه حمزة الذي هو شيخ الطريقة الآن بالعُملة فيقول إن عملة الناس في الزمن القديم كانت الذهب والفضة فكانوا أهلا للجلال واليوم العملة ورقية فهذا زمن الجمال والتيسير وخفف الله عن المريدين السالكين لأن لكل زمن رجاله ولهم أحوالهم ولله في خلقه شؤون…

وقبل أن يموت العباس عهد للأمر بعده إلى حمزة وبعد حمزة إلى جمال وبعد جمال إلى منير وكان يقول أن منيرًا سيصافح المسيح ومرادهم المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام وهذه أمور يعتبرونها من الكشف والتجليات وأسرار الطريق، وعلماء التوحيد وفقهاء السنة يردون هذه الأباطيل وينسفون هذه الأساطير لأنه باب واسع يحتاج إلى الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان والله الهادي إلى الصراط المستقيم.

والمصافحة عندهم يراد بها البيعة للشيخ من قبل المريد، وحمزة ليس أميًا كأبيه بل له دراية بأوليات من العلم كابن عاشر وغيره لكنه ليس عالما من علماء الشريعة.

وبعد موت العباس آل الأمر إلى ابنه حمزة وأصبح شيخا للطريقة البودشيشية وكان عبد السلام ياسين قد وقع في أوراق رسمية مصادقًا على بيعة حمزة شيخًا للطريقة خلفا لأبيه.

وخلال سنتين (من عام 1972م إلى عام 1974 م) ظل عبد السلام ياسين يقنع حمزة أن يجدد التصوف بما يوافق العصر بعيدًا عن بعض المسائل التي فيها غلو…فمثلا كانت القطعة من السكر (قالب السكر) تباع بالمزايدة إذا لمسها الشيخ، كما أن جلباب العباس بعد موته قطع أجزاء صغيرة وبيع بأثمان باهظة.

لا زلت أروي ما سمعت مباشرة من المعني بالأمر (عبد السلام ياسين) والعهدة عليه …

فلما يئس عبد السلام ياسين من إصلاح هذه الطريقة حسب البرنامج الذي كان يراه ووجد صدودًا شديدًا واعتبروه محجوبًا بثقافته العصرية عن معرفة أسرار الطريق، بل كانوا يهزؤون به على سبيل المداعبة بقولهم “عبد السلام الشريعة”.

ثم بعد ذلك كتب عبد السلام ياسين صحبة الملاخ والعلوي، وهما صديقاه الذين تركا معه الطريقة البودشيشية، الرسالة المعروفة بالإسلام أو الطوفان التي أرسلها إلى ملك المغرب فانقطع مع صديقيه عن الزاوية البودشيشية ووقع بينهم الخلاف الشديد والإنتقاد الكبير فهو يصفهم بأمور تخالف الشريعة وتناقض التصوف وهم يصفونه بالغرور وأنه محجوب بثقافته وما إلى ذاك بل هو يصفهم بالحلولية وهم يصفونه بأنه لا علاقة له بالتصوف البتة.

قال عبد السلام ياسين في كتابه الإسلام والطوفان “وكان رحمه الله (أي العباس) أوصاني قبل وفاته أن ألزم ابنه وخلفه من بعده، فلزمت، فعاصرت منذ تسع سنوات نشأة الانحراف عن الصوفية الصادقين إخواني، وعرفت بذلك كيف يدخل إلى أصحاب الزوايا حب الدنيا وكراهية الموت ومن تم كيف تتحول دعوة صادقة إلى أحبولة مشبوهة رغم صدق الشيخ وفضله وأن خلف شيخي في ما أعلم لرجل الخير والفضل ولا أزكي على الله أحدًا بل الله يزكي من يشاء ولكن عناصر من الأتباع يستميلون الشيخ وهو بــشـر ضــعيـــــف حتى يحولوه إلى رمز يلوحون به وحتى يحولوا الزاوية إلى مركز استهلاك بعد أن كانت مأوى للمساكين، وقد رأيت كيف دخل الأثات الزاوية وكيف غزتها الهدايا، ونصحتُ وما آلوت عَلِم الله وتمزق فؤادي شفقة على أهل بيتٍ عًرَّفوني الله وعلموني المحبة والتقوى وعادَوني وآذوني وانتهى العداء إلى مداه لما نصحت لهم بالجهاد والنهوض للدفاع عن الإسلام الذي أصبح في دِيارنا لعبة يدير مسرحها دَيدان القراء فأصبحت أرى في إخواني من يضربون الدف على إيقاع المسرحية”.

هناك ملاحظات عديدة على هذه الفقرة لا نريد الدخول في تفاصيلها وأكبرها أن الشيخ ضعيف مع أن الطرقيين يرونه قويًا عظيمًا يعلم ما كان وما يكون ويقدر على ما لا يقدر عليه إلا الله وهذا تناقض فظيع ولاسيما وقد ذكر عبد السلام ياسين في الإسلام بين الدعوة والدولة أن الشيوخ الصوفية لهم الفتح الأول والفتح الثاني وفي الفتح الأول خوارق للعادة يشتركون فيها مع غيرهم من أصحاب الخوارق أما الفتح الثاني فهي خوارق أعظم خص بها الشيوخ العارفون ومن ذلك أنهم يرون على وجُوه الناس أنوارًا وظلمات وربما رأوا على رأس المرء رأس حمار أو كلب أو قرد أو ما إلى ذلك شريطة أن يتعاملوا معه على الظاهر وهم يعلمون حقيقته على الباطن، فلماذا لم ير الشيخ العارف بالله الأنوار والظلمات ووجوه الحيوانات وما إلى ذلك… وأصبح بشرًا ضعيفا وهي الحقيقة، فانهار بهذا الكلام ذلك الصرح الخيالي والسراب الكاذب الذي سود به الصوفية كتبهم المليئة بالأوهام والخيالات وهناك أشياء كثيرة ستبين في مناسباتها بفضل الله إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل وخدمة للعلم وأداء للأمانة وصيانة للقيم.

لكنه ورغم هذا الخلاف الشديد إلا أنه ظل مُعظما لشيخه العباس وبقي وفيًا لعهود التصوف، إنما شدد عليهم الإنكار في مسألة الحلول والإتحاد فكان يقول “البودشيشيون حلوليون حلاجيون حكم الشرع فيهم القتل”  وكان يرفض الحلول في كل صوره وأشكاله سواء كان جزئيا أو كليا على خلاف ما ذكر عن نفسه في الإسلام بين الدعوة والدولة كما كان يبطل وحدة الوجود إلا أنه كان يقول بوحدة الشهود واعتبر كتابه المنهاج النبوي تجديدًا للتصوف الذي يعتبره الحق، فهو على غير طريقتهم وهم يتبرؤون من منهاجه وطريقته ودعوته لكنه لم يتخلص من الكثير من الرواسب التي انغرست فيه منذ أخذ الطُرقية عن أشياخه فهو يقدس الأولياء والصالحين أحياءً وأمواتًا ويعتقد أن لهم قدرات خفية وقوى ذاتية في علم الغيب وتدبير أمر الخلق ناهيك عن تعظيمه للروافض بدءًا بمتقدميهم وإنتهاءً بالخميني الذي كان يعظمه غاية التعظيم.

ويرى الأحوال والمقامات وأن الشيخ يتحكم في أحوال المريدين وكان يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم يُرى يقظة لا بهذه العين المملوءة شحما ولكن يراه على الحقيقة ببصيرته وكان يعتقد لقيَا الخضر والصالحين أحياء وأمواتا لقاء حقيقيا.

وقد سجلت أقواله العديدة كتابة بين يديه وسأبينها في أوقات مناسبة وكل ما ذكرت سمعته مباشرة دونما واسطة من أحد.

أما بالنسبة لي فقد زرت مداغ مرة واحدة سنة 1405 هـ موافق 1985 مـ فرأيت من الخرافات والبدع ما هو ضلال بَيِّن …
فرأيت من يسجد للشيخ من غير نكير منه ولا من غيره، ورأيت الناس يتصايحون بشكل جنوني مرعب، وكان من الإتفاق العجيب أن حضر في المجلس الدكتور طه عبد الرحمن فيلسوف المغرب العربي وقد كان هادئا في ذلك المجلس وأُخبرت والله أعلم أنه في مجالس أخر كان يتواجد ويصيح . وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين، وكان عبد السلام ياسين يقول عن نفسه أنه لم يحصل منه شيء من تواجد أو صياح في مجالس العباس وغيره وكان يقول عن الجنيد أنه إذا سئل عن ذلك كان يقول وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب.

ووجدت الناس هناك يعتقدون فيه أنه يعلم ما كان وما يكون وأنه يدبر الأمور ويقضي الحوائج ويكشف الكروب مما لا يَصلُح إلا لله ولا يقدر عليه إلا الله وهذا هَتكٌ للربوبية، كما أني وجدت في بيوتهم صور الشيخ معلقة على الجدران يعظمونها تعظيما فيه الغلو الفظيع والبدعة النكراء وقد دام هذا اللقاء حوالي 20 دقيقة كانت كافية لأرى ما هو مخالف مخالفة صريحة لهدي النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله المستعان.

وحضرت مرة واحدة فقط مجلس العمارة عندهم بمدينة فاس وألقى أحد أساتذة الجامعة بفاس (اسمه لسان الحق) وهو أستاذ جامعي، وقد ألقى دروسا حسنية كما ألقاها طه عبد الرحمن وقد ذكر لسان الحق في الكلمة التي ألقاها في المريدين ويسمونها (المذاكرة) نهاهم فيها عن الصياح والعويل والمكاء والتصدية لكنهم فعلوا ذلك بشدة عنيفة وجنون هستيري وهو واقف على الأريكة (الفراش المغربي) يتفرج ولم ينصرف ولم ينههم عن ذلك وأنا ألاحظ وأستغرب لأنني سمعته ينهاهم عن هذه الأفعال، وظل أزيد من ساعتين يتفرج فيهم وكان إلى جانبه جمال ابن حمزة الذي هو خليفة أبيه وكان يومها حليقا ولم يكن صاحب لحية، ولحيته اليوم بيضاء غزاها الشيب إلا أن ابنه منيرًا الذي سيصافح المسيح حسب أساطيرهم لازال حليقا وهو مُهَيأ حسب زعمهم لهذه الرسالة العظيمة، فأين سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يا منير ولَم تَستًح أن تقول أن التوابث هي السلفية فهل التوابث المغربية هي السلفية …

والطُريقة تبغض التوحيد وأهله والسنة وأصحابها والعمل بالدليل ورجاله وكل من وصَفهم بالبدعة والقبورية وهابي كافر عدو لله ورسوله ودينه وهاهم يصافحون السلفية المغربية الحداثية، فكيف يليق بأولياء الله الصالحين الذين يمسكون بالكتاب أن يقولوا على الله غير الحق فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وتسمع في زمن الفتنة عجائب الرويبضة وإذا لم تسنح فاصنع ما شئت والله الموعد وعند الله تجتمع الخصوم.

فهذه هي الطريقة البودشيشية وهي الطريقة المليئة بالأساطير المنفردة بالعجائب، فيعتقد أصحابها في مشايخهم ما لا يحل اعتقاده في الأنبياء والرسل من دعوى علم الغيب والتصرف في الأكوان وهذا لا يستطيعه ملك مقرب ولا يناله نبي مرسل لأن العبد مهما علت درجته لا يخرج عن كونه عبدًا، أما الربوبية فهي من خصائص رب العالمين ومن اعتقد شيئا من ذلك في مخلوق أو صرف لمخلوق من العبادة ما لا يصلح إلا لله أو غلا في مخلوق بأن خَرج به عن دائرة العبودية أو سأل الشفاعة المنفية لمخلوق كل هذا شرك صراح أكبر وكفر بواح أشنع.سورة الإخلاص

وجب على أهل العلم البيان والتقويم بالحجة والبرهان إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل ونصرة للتوحيد وخدمة للسنة وأداء للأمانة وقياما بالحجة وتفنيدا لمزاعم أقوام لا خلاق لهم يقولون أن السلفية هي التوابث التي وضعها رجال بلا حجة ولا برهان وأخرجوها من أكياسهم بعيدًا عن أدلة القرآن والسنة ليهلك من هلك عن بينة ويحيَا من حي عن بينة وليميز الله الخبيث من الطيب.

هذه الطريقة فيها كل ألوان البدع فما بال أقوام يعلمون علم اليقين أن القوم ليسوا على شيء وأنهم يخالفون صريح الكتاب وبَيِّن السنة يقولون أن التصوف قائم في بلدنا على السنة النبوية الصحيحة ويزعمون أنهم جاهدوا الكفار والصلبيين جهادًا عظيمًا وتاريخهم المشؤوم في الخيانة وخدمة الاستعمار والتآمر على هذا البلد ونكث العهود والوقوف إلى جانب الكفار والنصارى ضد المسلمين معروف مشهود يعلمه الناس جميعا ووجدنا الآباء والأجداد والأحباب والجيران يحكون مخازي الطرقيين وخيانات المبتدعين وفي الكتب والمؤلفات والبحوث والدراسات ما يبرز هذه الخيانات ويكشف هذه المؤامرات.

وأنا حريص في هذا البحث أن أتحدث عن الجانب العلمي والمسائل الشرعية المتعلقة بالتوحيد ولزوم السنة واجتناب البدع، لكن جوابًا على أناس لا يَزنون أقوالهم بموازين الشرع الدقيقة أقول وبالله التوفيق لا يوجد عند الصوفية جهاد في هذا الزمان البتة وقد كان شيخنا الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رفع الله درجاته في أعلى الجنة يقول أنه لم يثبت للطرقيين أي جهاد ضد الصليبيين من الفرنسيين والإنجليز اللهم إلا السنوسية في ليبيا وماء العينين في الصحراء المغربية. وشيخنا من أهل التتبع والاستقراء وسعة العلم وعمق الفهم وخاصة في مسائل التاريخ القديم والحديث وفي الجغرافية العريضة في بلاد عديدة مع أنه سيف بتار وصارم مسلول ضد القبوريين والطرقيين وغيرهم من أهل البدع والضلالات والكفر والشركيات وكل أعداء الملة والدين فهو على إلمام بمخازيهم ودراية بمصائبهم لِما وهبه الله من علم واسع ومعرفة يقينية رحمه الله رحمة واسعة وكلامه عن العصر الحديث حيث استولى الصليبيون على بلاد المسلمين، أما في عصور سابقة فقد كانت بعض المواقف المشرفة كالعياشي رحمه الله في حربه ضد البرتغال والإسبان أيام السعديين حتى قتله بعض المقربين إليه وإني لأعجب لكتابات تصف هؤلاء الطرقيين وغيرهم بأنهم من المجاهدين وقد كانوا خونة عملاء للاستعمار مع ما كانوا فيه من القبورية والخرافات والبدع والضلالات ولا يشفع لهم معرفتهم بالحديث ولا إطلاعهم على مصادر السنة حيث كان الحديث في باب وهم في باب وكانت السنة تسلك طريقا وهم يسلكون فجًا يخالف السنة جملة وتفصيلا ولكن بعض أحفادهم أرادوا قلب الحقائق وتزييف التاريخ واللعب على الحبال وهيهات هيهات مستغلين أننا نعيش في زمن يصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق ويخون الأمين ويؤمن الخائن والله المستعان.

نرجع إلى الكلام عن المسائل العلمية والمباحث الشرعية فنقول لمن وصف الصوفية في هذا البلد بأنها تقوم بالتربية على الوجه الصحيح فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن السلب بعد العطاء كما نسأل الله حسن الخاتمة فهو ولي ذلك والقادر عليه.

فلو أن رجلا جال في الزوايا لوجد كل بدعة نكراء والسنة فيهم يتيمة وأقوال الشيوخ مقدمة عندهم على الوحي المنزل لأن التجليات والكشوف والإلهام والذوق والوجد والحقائق والأسرار والخضر والعلم اللدني والفناء والبقاء وما إلى ذلك من المناهج الصوفية والأساليب الطرقية وهي أمور قطعية عندهم غدت أصلا تفهم من خلالها النصوص وتفسر الأدلة وهذا من الزيغ المخالف للقرآن والسنة.ال عمران 7

وليت الأمر وقف عند البدعة المخالفة للسنة بل الأطم من ذلك والأفظع هو القبورية وعبادة الشيوخ ولهم أضرحة ومشاهد حتى أن التيجاني يُقصد كما يُقصد الطواغيت الذين يُعبدون من دون الله فلا يتم حج شخص تيجاني حتى يأتي مدينة فاس فيزور قبر التيجاني كذلك شيوخ البودشيشيين وغيرهم من الطرق الصوفية وهم يؤمنون بالأولياء أحياء وأمواتًا ويعتقدون فيهم ما لا يصلح إلا لله ويقدمون لهم من العبادات التي لا تليق إلا بالله ويَغلون في الشيوخ غلوا يخرج بهم عن الحد الشرعي في تعظيم المخلوق.

وكل طريقة تقول في الطريقة الأخرى أنهم ليسوا على شيء وإذا تأدبوا قالوا فيهم أنها طرق تبركية لكنها لا تسلك المريدين …

فالطريقة الكتانية والطريقة الدرقاوية التي تَمسك بها آل ابن الصديق فهم يعتبرونها خالية من التربية وأنها تبركية وبعضهم يقول كل الطرق ليست على شيء إلا طريقتهم وزاويتهم وشيخهم.

والطرقيون قاطبة بدون استثناء يؤمنون أن شيوخهم يلقَون النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا منامًا وأنهم يبايعونه على المشيخة وتسليك المريدين كما أنهم يلقون الخضر ويجالسونه ويصاحبونه بل أتباعهم سواء كانوا من كبار الأتباع أو صغارهم ينالون الكثير من ذلك ويرون الصالحين الذين لهم أضرحة ومشاهد يلقَونهم يقظة ومناما.

لما سمعت كلام عبد السلام ياسين مفصلا لقضايا عديدة ومنها مسألة البودشيشية قررت أن أسمع قولهم فيه فقال لي بعض الناس منهم بعد كلام طويل وانتقادات شديدة، اذهب إلى عبد السلام ياسين واسأله سؤالين اثنين وأقسموا بالله أنه لن يجيب وقالوا إذا أجاب (طارت بَرَكَته) وهذان السؤالان هما:

هل أخذت من النبي عليه الصلاة والسلام يقظة لا مناما الإذن بتسليك المريدين ؟؟؟

والسؤال الثاني هل هذا المنهاج النبوي من بنات أفكارك الشخصية أم أتيت به من بلاد الله ؟؟؟

أتيت عبد السلام ياسين مع مجموعة من الطلاب وكان عنده يومها محمد العبادي الذي خلفه على جماعة العدل والإحسان وهذه المرة الوحيدة التي رأيت فيها العبادي . أما ياسين فقد لقيته مرارت كثيرة في مواضيع متعددة فلما سَمع السؤالين غضب غضبًا شديدا لم أعهده منه قط وحرصتُ على أن يجيب على السؤالين فأبى وطلب مني ألا أزوره البتة فالتفت عبد السلام إلى العبادي وقال أجبهم…وأنا أعرف عن العبادي منذ كان في مدينة أسفي فما بعدها لكنني لم ألقه إلا ذلك اليوم وما رأيته بعدها قط، فقلنا له إن الجواب مطلوب منك أنت لا من العبادي ولاسيما أن القوم أقسموا أنك لن تجيب فازداد غضبًا فقال العبادي أنه قد تبث عندنا برؤى عديدة من الإخوة أن وارث سر العباس هو عبد السلام ياسين بل قال أن إخوةً رأوا في اليقظة من هو معروف من الصالحين فأخبره أن صاحب الوقت هو عبد السلام ياسين.

فقال عبد السلام أنا لم أقل شيئًا هو الذي قال وظًل العبادي يذكر كلامه ولا أدري هل يعلم أن شيخه قد التزم إداريا وبوثائق مضبوطة أن حمزة هو الشيخ بعد أبيه وأن جمال بعد حمزة وأن منيرًا بعد جمال…

والله عز وجل يقول:المائدة 1البقرة 177

فإذا كان الرجل صاحب الوقت لماذا يلتزم ويعاهد ويصافح، والمصافحة عند الطرقيين هي البيعة، فإن قالوا تبين له الحق بعد ذلك أجابوهم لأن منهجهم واحد لو كان صاحب الوقت لعلم بالعلم الباطن اللدني هذا الأمر ويدخلون في أخطبوط غريب ونفق ضيق بعبارات خاصة وإشارات ذات مغزى وأسرار لا يعرفها إلا الكُمل وأنوار تنير السبيل لصاحب الوقت في كلام طويل وجدل سخيف وعبث ساقط لا يشهد له قرآن منزل ولا سنة ثابتة.

وللأسف أن عندهم أن توافر الرؤى يبطل القطعيات من الشريعة وهذا لا يعني أن هذا العهد كان شرعيا من حيث أصله بل هو باطل كبطلان توافر الرؤى لكنه هدم لأوهامهم و تحطيم لأساطيرهم.

ولم أكن أسأله إلا التزاما لما التزموه وإلا فموقفنا من الطرقية والطرقيين والقبورية والقبوريين كان واضحا بفضل الله من أول يوم وما شاركناهم في شيء قط ولا التزمنا معهم شيئا قط ونبرأ إلى الله من البدع وأهلها، وتكلمنا معهم بلغة السنة وحجة التوحيد ولله الحمد والمنة والجود والعطاء.

فلم يحصل مني قط أنني انتميت إلى طريقة من الطرق الصوفية أو اندمجت مع العدل والإحسان أبدا بل كان النقاش والجدال والحوار والأخذ والرد وكنت أوصف عندهم بالوهابي المتطرف وبِعَدُو الطرقية ومن ذكر غير ذلك فهو كذاب أشر وها هم يقرؤون ما كتبت ويسمعون ما ذكرت فإن كان عندهم شيء غير ذلك فليذكروه، ومن استراب فالعرب بالباب، وفيما يتعلق فيما جرى من حوارات علمية طويلة في قضايا متعددة مع عبد السلام ياسين ومع غيره من رجالات الدعوة الإسلامية على اختلاف انتماءاتهم فستأتي مُبينة في دروس لاحقة بإذن الله فالكثير مما كتب عن هذه الحقبة كتب من طرف أناس لم يعيشوا هذه الأحداث ولم يشاركوا في التأسيس ولا علاقة لهم بهذه المباحث فوجب البيان بحول الله في الوقت المناسب والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

وفي مرة من المرات وقع بيني وبين عبد السلام ياسين حوار طويل دام أكثر من ثلاث ساعات وهذه المرة حضره ‏أحمد توفيق الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية وعلاقته بعبد السلام ياسين أنه كان أستاذا لابنته نادية ياسين التي كانت الناطقة الرسمية باسم جماعة العدل والإحسان وكان يدرسها مادة الأدب العربي، كما أن أحمد توفيق ينتمي إلى الطريقة البودشيشية وبعد هذا الوقت الطويل الذي ظل فيه الرجل صامتًا واستغربت هذا الصمت الطويل فإذا به في نهاية المجلس تدخل فقال ليت باحثا متعمقا يتفرغ لدراسة موضوع ‏السلفية والتصوف وينهي هذه المعركة ليظهر الحق جليا…وهنا غضب عبد السلام ياسين بعد أن ظل خلال الوقت هادئا فقال “أسي أحمد هذا أمر قد فرغ منه والحق مع الصوفية” واشتد عليه في ذلك كأنه أراد أن يقول له لا يليق بك وأنت في هذا المقام من المعرفة بالتصوف أن تنزل إلى هذا المستوى وهذه هي المرة الوحيدة أيضا التي رأيت فيها أحمد توفيق ولم يكن يومها وزيرا للأوقاف لأن كل هذا الذي أرويه قد مرت عليه حوالي ثلاثين سنة لأنني لم أر عبد السلام ياسين من قبل زمن الحصار الذي وقع له سنة 1987 م، وأحمد توفيق بالمناسبة له مصنفات في التصوف وقدم لكتب عديدة في ذلك وقد طلعت علينا الصحف يوما بصورة حمزة واليازغي أحد زعماء الاتحاد الاشتراكي والسفير الامريكي وقد نظم ذلك وزير الأوقاف وهذه هي البرزخية التي تمثل الإسلام المغربي الحداثي، وقد ورد في جريدة الأسبوع الصحفي يوما تحت عنوان : ((الزاوية البودشيشية تعلن تبرك أحمد التوفيق ببركة شيخ الزاوية)) أي حمزة بن عباس ويُعد من مريديه ووزع الشيخ رضاه على اليازغي وفتح الله واعلو وعبد الحميد بوزبع وزير العدل يومها وأنه تقبل من الشيخ وردا خاصا والأخران يحظيان برضى الشيخ حمزة وكل واحد منهما حصل على ورد خاص فوا عجبا التصوف والسياسة والعلمانية والاستكبار العالمي.

فما الغاية من هذا المشروع وماهي أبعاده ؟؟؟

وهل سيحاول جذب السلفية إلى هذه الغياهب المظلمة والأنفاق القاتمة ؟؟؟

السلفية التي هي الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة توحيد خالص والتزام بالسنة وعمل بالدليل وبراء من الشرك وأهله.هود 113

فالكلام عن الزاوية البودشيشية ووزارة الأوقاف والوزراء العلمانيين والسفارة الأمريكية وما إلى ذلك يحتاج إلى تفصيل دقيق لأنه برنامج الإسلام المغربي الحداثي الذي يُرضي العلمانيين ويحقق أهدافهم ويعطل الشريعة وتهيمن فيه العولمة وتمسخ الأمة وتطمس الخصائص ويتعايش فيه المؤمن والكافر والبر والفاجر ويتساوى فيه البيع والربا والحلال والحرام ولا حول ولا قوة إلا بالله والله المستعان.آل عمران 31الممتحنة 6الأنعام 153الروم 31-32الأنعام 159آل عمران 102-105

كتبه أبو عبد الرحمن عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين يوم الإثنين الرابع والعشرون من شوال عام ست وثلاثين وأربعمئة وألف بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق 10 غشت 2015م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *