الرئيسية / مقالات / سلسلة السلفية / السلفية 05 : السلفية والعقل اليوناني

السلفية 05 : السلفية والعقل اليوناني

السلفية وهم أصحاب الحديث وفقهاء الآثار لهم أصولهم في الاعتقاد ومناهجهم في الاستنباط، ومدرسة المحدثين مدرسة شاملة لكل أبواب العلم ومسائل الفقه وقضايا التربية وكل ما يتعلق بحياة المسلم فردا وجماعة وأمة في دين الناس ودنياهم.

وموقف أصحاب الحديث من الفرق الكلامية هو ما كان عليه السلف الصالح من اعتبارهم مبتدعة خرجوا عن جماعة المسلمين بمذاهب فاسدة وأصول منحرفة خالفوا فيها القرآن الكريم وصدوا فيها عن سبيل الله صدودا.

وأصحاب الحديث يخالفون من انتسب إلى السنة من الأشعرية والماتريدية في مسائل التوحيد والإيمان ويخالفون الصوفية في أمور التزكية والتربية ولهم مع فقهاء الرأي صولات وجولات وفي باب السياسة الشرعية لعلماء الحديث أصولهم البينة وقواعدهم الدقيقة.

فيوصف أصحاب الحديث بأنهم أهل النص والمتكلمون أهل العقل اليوناني والصوفية أهل الذوق والفقهاء أهل الرأي وأصحاب السياسة بأنهم أهل الحكم وسنُبين مذهب أهل الحديث إزاء هؤلاء جميعا.النساء 59

فإن قال قائل من أهل هذه المناهج المخالفة لأصحاب الحديث بأننا جميعا نعظم الوحي ونقدم النص وخاصة ممن ينسب إلى أهل السنة والجماعة فنقول لهم جميعا أن حرف المسألة في الخلاف مع هؤلاء جميعا هو منهج الفهم للكتاب والسنة، فأهل الحديث يقولون أن مناهج الفهم وطرائق الاستنباط هي فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لنصوص الوحي، أما غيرهم وإن كان بعضهم يعظم النص ويُقر بأولوية الوحي إلا أنهم في الفهم والاستنباط لا يسلكون مسلك الصحابة والتابعين، وقد وضعوا جميعا لأنفسهم قواعد وأصولا ومذاهب وطرائق في التعامل مع النصوص وفي فهم الشرع ولم يكتفوا بذلك بل وصفوا أهل الحديث بالحشوية والحرفية والجمود وعدم الفهم وانعدام الغوص في أسرار البحث …

فالمخالفون قد ثأثروا بأصول المتكلمين وعقائد أهل الفرق الكلامية ومزجوا مع الحق الباطل واختلط عندهم الخطأ بالصواب، وكلما طال الزمن ازداد الخلاف وتعمق النزاع واشتد الخَرق على الراقع بل أصبح العديد من المخالفين رؤوسا للبدع وأئمة للضلال لأنهم وإن كانوا يدّعون تعظيم السنة ومحبة كتب الحديث والإقرار للبخاري بالفضل وذكر السلف بخير، إلا أنهم في مناهجهم سلكوا طرق المتكلمين وسبيل غلاة الصوفية وطرائق متعصبة المذاهب، وفي باب الدعوة إلى الله فتحوا الأبواب على مصاريعها، وفي ميدان السياسة الشرعية تركوا الطريقة الشرعية وسلكوا الطرق الغريبة التي تأثرت بالعولمة والحياة المعاصرة والحضارة المادية، وهؤلاء جميعا يصفون السلفية بأشنع الأوصاف.

فأهل الحديث هم أهل النص المخالف للعقل اليوناني والذوق الفارسي والهندي والتعصب المذهبي المقيت والقوانين الرومانية والخلط بين الحق والباطل بإدخال العولمة إلى المناهج الإسلامية.

إشكالية العقل والنقل بين أهل الحديث وغيرهم

نبدأ بحديثنا مع هذه المناهج المخالفة لطريقة السلف الصالح بموضوع السلفية والعقل اليوناني.

السلفية في مباحث الاعتقاد والتوحيد و الإيمان تعتمد على القرآن الكريم والسنة الصحيحة والإجماع المتيقن وترفض رفضا باتا العقل اليوناني في تفسيره لمباحث الإلهيات والنبوات والمعاد ومسائل الإيمان كلها، أما العقل الشرعي الصحيح الذي تُفهم به نصوص الوحي فهماً سليماً فهو معتمد في مباحث العقائد ويسمى الاعتبار كما أنه مع الفطرة السليمة بعد هذه الأصول الرئيسة مما يوضع في محله في مباحث الاعتقاد وأمور التوحيد.

فالسلف الصالح من الصحابة والتابعين تلقوا مسائل التوحيد من الكتاب والسنة وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة علم التوحيد وفصل لهم حتى فهموا الشرع … وما طائر يطير إلا وعلمهم منه علما…

والكتاب والسنة لم يتأثرا البثة بأي علم من علوم الأوائل، لا إسرائيليات أهل الكتاب ولا حكمة أهل اليونان “الفلسفة” ولا غنوصية أهل فارس ولا إشراقية أهل الهند ولا ما كان عليه العرب في جأهليتها ولا علوم الفراعنة ولا حضارات أهل العراق ولا ثقافات أهل الشام.

فالقرآن كتاب فريد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عقائده وعباداته وأحكامه وقيمه ومبادئه قرآنية محضة مستقلة، فلا يشبهه كتاب، لا في نظمه ولا معانيه ولا أسراراه ولا احكامه.

فكيف يحتاج القرآن الذي هو كلام الله إلى علوم الأوائل ؟؟

المائدة 3

ومن ظن أن القرآن يحتاج إلى مخلوق فهو أضل من بعير أهله، بل الخلق جميعا محتاجون إلى القرآن وعلومه ولو عاش الخلق دهورا طويلة وأزمنة مديدة ما أخذوا من القرآن إلا قطرة في بحر عظيم.

ولقد تمسك الصحابة والتابعون بمنهج القرآن في عرض العقائد ومسائل التوحيد وكان تمسكهم عن علم والتزامهم بفقه وليس إيمانا سطحيا أو اعتقادا ساذجا بل كان عن علم دقيق وفهم عميق ولا سيما وهم العرب الأقحاح والعلماء الأفذاذ والزهاد المخلصين والمجاهدين الصديقين شهدوا الوحي والتنزيل وصحبوا سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم فهم أعلم هذه الأمة وأفقهها وأصدقها وأكملها بل هم خير الأمم.

لكن الفرق الكلامية نهَجت في مسائل الاعتقاد نهجا يخالف طريقة سلف الأمة، كما أنه سبيل يخالف الأدلة وهو إلى الهوى أقرب منه إلى صراط الله المستقيم، فقولنا أنهم خالفوا السلف هذه مصيبة، ومصيبة أعظم منها أنهم خالفوا الأدلة الصحيحة والحجج القطعية …البقرة 61

بل يناقض أهل البدع والأهواء أصولهم ويخالف آخر كلامهم أوله فهم مخالفون للكتاب مُختلفون في الكتاب متفقون على مخالفة الكتاب.

ولما قامت للمعتزلة دولة في زمن بني العباس أيام الخليفة المأمون … وتُرجمت الكتب اليونانية إلى العربية بأثمنة باهظة، ازدادت الفتنة واتسع الخلاف وسَرت في الأمة هذه السموم فاختلط الحق بالباطل وفتن العديد ممن ينسب إلى السنة فأصبحت مذاهبهم خليطة من الكلام والفلسفة والبدع والأهواء وأقوال الرجال العارية عن الأدلة بل فيها ما هو مخالف للحجج القطعية والبراهين الساطعة وحفظ الله أهل الحديث فلم يبدلوا ولم يغيروا.البقرة 213

فظهرت بعد ذلك مدرسة الأشاعرة والماتريدية ممن يُنسبون إلى أهل السنة والجماعة وذلك بأن بعضهم يعظمون الوحي ويقدمون النقل على العقل من الناحية النظرية ويعرفون لأئمة الحديث قدرهم ويُنسبون إلى السنة من حيث الشعار بخلاف أهل الفرق الكلامية التي تَنتَقد السنة ولا تُقر لأئمة الحديث بالعلم وتصف السنة وأهلها بأقبح الأوصاف، لكنهم رغم ذلك يخالفون في مناهج الفهم وطرائق الاستنباط ووسائل الاستدلال وسبل الاجتهاد أهل الحديث مخالفة تامة وخصوصا عند المتأخرين حيث بلغ الأمر أوجه في الخلاف حتى أن أهل الحديث يعتبرون العديد من المتكلمين الأشاعرة والماتريدية من أهل الاعتزال والغلو في البدع وأنهم رؤوس الضلال والفتنة وهم يقولون في أهل الحديث ما لم يقله مالك في الخمر.

فأهل الحديث يعتبرون التزام النص بفهم السلف الصالح واجتناب أقوال أهل الفرق الكلامية من أصولهم الأساسة وقواعدهم الرئسية ولا يحيدون عن شيء من ذلك التزاما بالحق وهذا الموقف ليس موقفا عاطفيا بل هو علم موروث بالأدلة والبراهين وليس رفضهم للعقل اليوناني من باب الورع والاحتياط بل ليقينهم أنه قائم على الجهليات والتخيلات والتخرصات وخبط أهل اليونان الذين يخالفون شريعة الله المنزلة من فوق سبع سماوات بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

لكن أهل الكلام يصفون أهل الحديث بالجمود والحَشوية وعدم الخوض في الأسرار العلمية التي تركها حكماء اليونان، وجعل المتكلمون العقل أساسا لفهم مسائل الاعتقاد بالرؤية اليونانية للمطلق النسبي والعلة وواجب الوجود والجواهر والأعراض …

فلما تعذر عند اليونان أن يوافق المطلق النسبي بل هو مخالف له من جميع الوجوه، وهذا كلام مجمل تفصيله عند أهل الحق حق، ومراد الفلاسفة باطل …فجعلوا نصوص الوحي التي تثبت الصفات مخالفة لفلسفة أهل اليونان فأنكرت المعتزلة الصفات جملة وتفصيلا وحرف الأشاعرة والماتريدية كل صفات الأفعال الاختيارية لأنها من صفات المخلوقين الذين يخالفون الخالق من جميع الوجوه ومرادهم باطل قطعا لارتباطه بالأصول اليونانية، أما المعنى الشرعي ففي قوله تعإلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير …

الاستواء عندهم والنزول والضحك والفرح بل والكلام وغير ذلك من صفات الباري المذكورة في الكتاب الكريم ودلت عليها السنة الصحيحة وفهمها السلف الصالح فهماً واضحا أنكرها أقوام وحرفها آخرون، واتهموا أهل الإثبات الذين يقفون عند حدود الله ويتبعون كتابه وسنة نبيه ويلتزمون فهم سلف الأمة بأنهم مجسمة مشبهة حشوية أهل جمود وعدم معرفة بالفلسفة والحكمة وإنما هي آراء مزعومة وأقوال مكذوبة.البقرة 111

وأهل الحديث برأهم الله من جرثومة التمثيل كما نزههم عن ويلات التعطيل فهم من بين فرث التشبيه ودم التعطيل توحيدا خالصا زكيا طاهرا لأهل الاعتقاد السليم.

فهم يثبتون الصفات كما يليق بالباري جل وعلا، فالاستواء كما يليق بجلاله والنزول كما يوافق عظمته فأوصاف الرب كما هي، ربوبيته وعظمته وجلاله …وصفات العبد كما هو فقره وضعفه وجهله وبشريته …

فمن صفات الباري أنه الحي …أي الحياة المطلقة.الفرقان 58

أما حياة المخلوق فهي حياة نسبية مسبوقة بالعدم منتهية بالموت، فالإقرار بهذه الصفة أي كما يليق بالله جل وعلا.

وهو الغني أي الغنى المطلق أما العبد فهو فقير فقرا ذاتيا معرض للزوال والهلاك ومهما بلغت أموال العبد فهي نسبة ضئيلة بالقياس للغنى المطلق الذي انفرد به الباري جل وعلا.فاطر 15

وكذلك صفة الملك، فالملك الحق هو الرب جل وعلا أما المخلوق فمُلكه نسبي ضئيل أمام الملك الذي يملك السماوات والأرض، وملك المخلوق يزول بموته أو بغير ذلك من الأسباب وهو مقهور بالنوم والمرض والشيخوخة والعجز …الزخرف 85غافر 16الأنعام 94

فالمعتزلة نفت الصفات لأن هذا عندهم من التنزيه وهو تعطيل صريح للربوبية والألوهية لأن الأسماء والصفات التي سَمى الله بها نفسه أو سماه بها رسوله وهو أعلم الخلق به وورث علمها الصحابة والتابعون وهم أفقه من أخذ العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم هو باب معرفة الرب …فالمعتزلة معطلة تعطيلا كاملا للربوبية.

أما الأشاعرة والماتردية فحرفوا الصفات تحريفات زعموا أنها ضرب من التأويل وهو تحريف للكتاب والسنة متأثرين بالمعتزلة والجهمية مع أنهم كانوا في الأصل خصوما لهم لكنهم للأسف وقعوا في بعض ما أصله المعتزلة من أباطيل لأن من سلك غير طريقة السلف وقع في باب من أبواب البدع.

ومع مرور الزمن بالغ الأشاعرة والماتردية في التحريف حتى أصبحوا صورة طبق الأصل للمعتزلة أما المعتزلة مع الزمن وقعوا في فخاخ الفلاسفة فغدا تعطيلهم غاليا، نسأل الله السلامة والعافية ونعوذ بالله من الخذلان.

ولما كان الصراع بين المعتزلة والأشاعرة في قضايا عدة كانت منها إشكالية العقل والنقل فقالت المعتزلة العقل مقدم على النقل وقالت الأشاعرة النقل مقدم على العقل وكل من هذين القولين عند أهل الحديث باطل لأن الإشكالية تنطلق من خلفية اعتزالية وأشعرية لأنها مناهج كلامية وليست حديثية …

وأهل الحديث يقولون أن العقل اليوناني عقل مخالف للشريعة فهو باطل من أساسه أما العقل الشرعي الإسلامي الذي يستمد حقيقته من موافقة النصوص الشرعية وفَهمِها فهماً سليما فهذا العقل الصريح يستحيل أن يناقض المنقول الصحيح، فهذه إشكالية باطلة تعيش في أجواء الخلاف بين المتكلمين كما أن هناك العديد من الإشكاليات التي بانت بين المدرستين الكلاميتين التي تختلف كل منهما مع أهل الحديث وإن كان المعتزلة أبعد وأشنع وأقبح …

من تلك الإشكاليات قولهم هل الإنسان مخير أم مسير، فاختار المعتزلة أنه مخير، واختار الأشاعرة أنه مسير، وقال أهل الحديث أنه مخير باعتبار مسير باعتبار، فهو مسير في ما لا يحاسب عليه مخير في ما يحاسب عليه، وما ربك بظلام للعبيد.النحل 118

ومن تلك الإشكاليات التحسين والتقبيح هل يكون بالعقل أم بالشرع؟

فوقع بينهم مخالفة كاملة جعلها المعتزلة عقلية ابتداء وانتهاء وجعلها الأشاعرة بالشرع ابتداء وانتهاء وتوسط أهل الحديث في أن العقل يعرف الحسن والقبيح ابتداء وأن المرء لا يعذب انتهاء إلا بمعرفة الشرع على تفصيلات في ذلك.

ومن الإشكاليات هل العمل شرط صحة في الإيمان أم شرط كمال؟ …

فذهب المعتزلة إلى أنه شرط صحة وذهب الأشاعرة والماتريدية إلى أنه شرط كمال وهذه الأقوال باطلة لأنها ترجع إلى أصول باطلة وأهل الحديث يعتبرون أن العمل شرط صحة باعتبار وشرط كمال باعتبار وهناك إشكاليات كثيرة وضعها الطرفان بناء على أصولهم الباطلة…

أما أهل الحديث وأئمة الأثر فلهم أصولهم في التزام النص بفهم سلف الأمة والعقل عندهم عقل شرعي لا يوناني.

فعندما نجد علماءنا المحدثين يذمون العقل وهم يذمون العقل اليوناني وعندما نجدهم يمدحون العقل فهم يمدحون العقل الشرعي الذي ينطلق من الأسس القرآنية.العنكبوت 43محمد 24الأعراف 184-185الحج 46الجاثية 23سبأ 46

والقرآن مليء بمخاطبة العباد بالتدبر والتفكر والتأمل والفهم والإدراك أي مخاطبة العقل الشرعي لا العقل اليوناني وموقف أهل الحديث من العقل اليوناني أنه قائم على الجهليات والتخيلات والأوهام، لأن علم الربوبية والأسماء والصفات وسائر أمور التوحيد لا يستطيع الناس معرفة تفاصيلها إلا عن طريق الوحي المنزل وللعقل الشرعي دوره في ترتيب واستيعاب ووعي وفهم الأمور القرآنية.

فالذين يعتبرون أن بين العقل والنقل تباينا كاملا وتناقضا شنيعا هم أهل الأهواء والبدع بناء على أصول فاسدة وضعوها فيعتبرون أن العبد إذا التزم النص معناه عندهم أنه ناقض العقل كما أن من اتخد العقل منهجا فهو مخالف للوحي بالمرة، ووجد العلمانيون والحداثيون وتلامذة المستشرقين في العصر الحديث هذا الكلام سبيلا للطعن في الوحي بشبهة أنه يخالف العقل وهذا كله خلط شنيع وخبط فظيع ورثه أهل الأهواء والبدع أصحاب الردة والزندقة.البقرة 118الذاريات 52-53

فأهل الحديث وأئمة الأثر ومشايخ السلفية وعلماء التوحيد لا يحاربون العقل إلا إذا كان يونانيا، ويمدحون العقل إذا كان شرعيا، واتهام أهل الحديث أنهم لا علاقة لهم بالعقليات وإنما هم أهل سمعيات فهذا الكلام افتراء وكذب …
نعم وصحيح أنهم حرب على العقليات الأجنبية عن القرآن المخالفة للسنة، وأنهم أهل سمعيات إذا صحت الآثار ولا يختلف عندهم البثة العقل الصريح والنقل الصحيح.

بل بلغ الأمر بالمعتزلة والأشاعرة والماتردية والمتكلمين عموما أن وضعوا أسسا وقواعد وأصولا ليست في كتاب الله ولا صحت عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا يعرفها سلف الأمة ولا أئمتها المهتدون واعتبروا من لم يعتقد تلك الأصول المبتدعة كافرا كفرا يخرج به عن الملة وهي أصول في غاية التعقيد وتمام الغموض مخالفة للشرع هي من أقوال الرجال والتي انبَنت على أصول فاسدة ويكفرون من لا يعتقد ذلك ولا يلتزمه وهذه من بلايا الأهواء وفتن البدع.

إذاً فالخلاف مع المتكلمين هو خلاف في مسائل الاعتقاد انحرفت مناهجهم عن فهم سلف الأمة وتأثرت طرائقهم بأهل الاعتزال بل وقع الكثيرون منهم في طرائق الفلاسفة وأصول المعتزلة.

فكيف تعتبر هذه المناهج الباطلة من الثوابت التي يجب أن يلتزمها المسلم وهو يعلم يقينا أن هذا الكلام مخالف لفهم سلف الأمة الذين أمرنا الله في كتابه وأرشدنا نبيه الكريم إلى اتباع مناهجهم وسلوك طرائقهم وحذرنا من البدع وأهلها والأهواء وأصحابها.

فالمعتزلة يعتبرون الصحابة من جفاة أهل البوادي لا علم عندهم ولا معرفة وهذا يخالف صريح القرآن الكريم.

والأشاعرة والماتردية والمتكلمون يعتبرون أن الصحابة اشتغلوا بالجهاد والزهد في الدنيا عن التبحر في قضايا الاعتقاد ومسائل التوحيد حتى قال قائلهم السلف أسلم والخلف أعلم وأحكم والصحيح أن السلف أسلم وأعلم وأحكم وأن الخلف أجهل وأبعد وأقبح.

بيننا وبينكم كتاب الله (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)

فالثوابت في الاعتقاد والتوحيد والإيمان ما دل عليه الدليل الشرعي والحجة البينة لا ما كان من أقوال الرجال مهما علا شأنهم وارتفع قدرهم فالحق أحق أن يتبع والرجال يستدل لهم ولأقوالهم بالكتاب والسنة والمعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم يستدل به وأقواله لأنه نبي أرسله الله إلى الناس أجمعين بالحق المبين.

وإذا كانت هناك من ترتيبات في مسائل الاعتقاد كيف نلزم الناس بمذهب الأشاعرة وقد عرف تطورات مذهلة وتقلبات هائلة فيها من التناقض والاضطراب ما يجعل شريعة الرب منزهة عن أقوال الرجال والمتناقضة والمضطربة.

فهل الأشعري هو الباقلاني والجويني وابن فورك والغزالي والأستاذ الإسفرائيني أم الأشعري هو الرازي أم الأشعري هو التفتازاني أو الإيجي أو اللقاني.البقرة 139

هل كانت هذه الأمة عقيمة حتى ولد الأشعري رحمه الله ؟؟؟

ثم ألم تكن هذه الأمة العظيمة تملك عقيدة حتى جاء الأشعري وقد كان فيها من الأئمة العظماء وسادات الفقهاء ما هو على علم بمسائل التوحيد والإيمان علما دقيقا.

وإذا خالف الأشعري إمام الأئمة وزينة الأمة مالك بن أنس أيهم أولى بالاتباع وقد وقع الخلاف بينهم وكان إمام الأئمة على مذهب السلف الصالح في مسائل الاعتقاد والتوحيد والإيمان وبقول مالك نقول في مسائل التوحيد والإيمان وفي مسائل التربية والتزكية وفي قواعده الرصينة التي غير فيها المتأخرون وبدلوا تبديلا.

وإذا وجدنا في ما ينسب إلى الأشاعرة ما يخالف ما ذهب إليه الصحابة والتابعون والأئمة المهتدون بالأدلة القطعية ماذا نفعل ؟؟؟

أنترك الحق الصراح والحجج النيرة لكلام الأشاعرة والماتردية ومذاهب المتكلمين؟الزمر 10النحل 43النساء 82النساء 61-62

فأبو الحسن الأشعري رحمه الله رحمة واسعة كان على عقيدة السلف الصالح كما في الإبانة ومقالات الإسلاميين، والجنيد سيد الطائفة رحمه الله كان على عقيدة السلف الصالح وله كلمتان عظيمتان شهد له أهل العلم بأنه سيد الطائفة، سئل عن التوحيد فقال عزل القديم عن المحدث وهذا ضرب للحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وسئل رحمه الله عمن ترك الأعمال من جهلة الصوفية بزعم أنه قد وصل فقال رحمه الله نعم قد وصل إلى سقر، وهذا هدم للإباحية والتفسخ باسم الزهد فكان على عقيدة السلف الصالح.
أما إمام الأئمة فهيهات هيهات فإذا ذكر العلماء فمالك النجم والعلم الرفيع الذي ضربت إليه أكباد الإبل هو عالم المدينة فقد كان رحمه الله ورضي الله عنه إماما سلفيا على عقيدة الصحابة والتابعين ولما سئل عن الاستواء غضب لأن المدينة لا يدخلها الدجاجلة فقال كلمته الشهيرة وهي أصل في الباب الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال بدعة أخرجوه ما أُراه إلا مبتدعا وهذه المقولة ذكرت عن غيره ممن قبله لكنها اشتهرت عن إمام الأئمة كشهرته وعظمته وعلو مقامه عليه رضوان الله وكلامه في مسائل التوحيد والإيمان كثير جدا وواضح تمام الوضوح وأنه كان على طريقة السلف الصالح في الاعتقاد.

إذا أين الثوابت ؟؟؟؟

فالاعتقاد الذي يريده بعض الناس هو اعتقاد باطل ومذهب فاسد وكلام يخالف الأشعرية ومالكا والسلف الصالح وأنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنيتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد.

فسنعض على هذه السنة النبوية وطريقة الراشدين بالنواجد ولن نلتفت إلى اقوال الرجال المخالفة للأدلة الشرعية لأنه من الاختلاف الكثير الذي حذرنا منه النبي عليه الصلاة والسلام و تمام الحديث وإياكم ومحدثاث الأمور فإن كل محدثة بدعة.

فلن نأخذ بأقوال الرجال التي تخالف ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان وسنجتنب كل طريق تخالف الصراط المستقيم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلملتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم ، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم. قلنا : يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال : فمَنْ” أخرجه البخاري

إذا فالسلفية تنافي الأشعرية والماتريدية والاعتزال ومذاهب المتكلمين وطرائق الفلاسفة لأنها عقيدة مستمدة من الكتاب الكريم والسنة الصحيحة وفهم سلف الأمة واجتناب المحدثاث والبدع.الأنعام 153النساء 68الحجرات 1-4

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سلك مسلكه واقتفى أثره نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حسبي الله نعم الوكيل
وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

كتبه عبد الحميد أبو النعيم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين يوم الخميس الثامن عشر من رجب عام ست وثلاثين وأربعمئة وألف بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق 7 ماي 2015م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *